ربما المتوقع هو أن يرى المراقبون احتمال تفكير حكومة الخرطوم في قفل حدود عام 1956م مستقبلاً إذا استمرت موجات الانفلاتات الأمنية بدولة جنوب السودان، وكذلك استمرت تسللات العناصر المتمردة من هناك لنسف الأمن والاستقرار في المناطق السودانية المتاخمة لحدود عام 1956م، وقفل هذه الحدود من جانب الخرطوم، في مثل هذه الحالات يبقى من باب الإجراءات العسكرية بغرض التأمين، وكان قبيل إطاحة نظام معمر القذافي في ليبيا قد قررت حكومة الخرطوم قفل حدود البلاد مع ليبيا للتأمين من دخول العناصر المتمردة انطلاقاً من هناك، وذلك حماية للبلاد ومواطنيها في القرى النائية.. لنفس هذا السبب، بل لسبب أكثر إلحاحاً منه قد تفكِّر الحكومة السودانية مستقبلاً في إعادة إنتاج قرار قفل الحدود مع ليبيا، للحالة الجديدة بعد التطورات التي أعقبت انفصال جنوب السودان. وبالنسبة لدخول الثروة الحيوانية في صيف كل عام إلى عمق الجنوب، فإن تكلفة الحل البديل ستكون أقل من تكلفة معالجة المشكلات المتوقعة الناجمة عن استمرار فتح الحدود مستقبلاً ربما، أو الآن ربما.. إذن الحكومة السودانية هي التي في أشد الحاجة لقفل الحدود وليس حكومة الحركة الشعبية في جوبا، وكان الأمين العام للحركة الشعبية ووزير «السلام» بحكومة جوبا باقان أموم قد تحدَّث عن قفل الحدود بين بلاده والسودان، وأثار هذا الحديث في أعقاب إيقاف إنتاج نفط الجنوب الذي استخرجته قبل الانفصال حكومة الخرطوم، ليصبح بعد ذلك هذا النفط هو العنصر الفعّال في مشروع انفصال الجنوب بشكل سريع، أي بعد ست سنوات من اتفاقية «وقف الحرب وتقرير المصير»، وكانت الحركة الشعبية تريدها أن تكون سنتين فيما كانت حكومة الخرطوم.. «المؤتمر الوطني» تريدها عشر سنوات.. يا عيني على المسؤولية الوطنية. لكن الآن بالاضطراب السياسي داخل الحركة الشعبية وحكومتها، والخداعات الأجنبية والدجل اليهودي، فإن إنتاج النفط يتوقف، والحدود التي يحتاج الجنوبيون لاستمرار فتحها لتكون تعويضاً اقتصادياً لهم بعد فشل سياسات الحركة الشعبية الصبيانية، يريد باقان قفلها في غباء يثير الشفقة.. إذ أن قفلها يبقى من الناحية الأمنية في صالح السودان، ومن الناحية الاقتصادية ليس في صالح شعب جنوب السودان الذي تقع مناطقه شمال بلاده. ورغم ذلك فإن الحكومة السودانية علّقت على حديث باقان بلسان مساعد رئيس الجمهورية د. نافع علي نافع قائلة: «هي حدودهم وهم يتصرفون فيها كما يشاءون أما نحن فحدودنا مفتوحة متى ما أرادوا التعامل بالحسنى».. انتهى. إذن يبقى كلام نافع من باب سياسة حسن الجوار بعد أن جاءت فكرة حل المشكلة الأمنية بسبب فتح هذه الحدود من جانب حكومة الجنوب التي هي سبب المشكلة الأمنية. ويبقى السؤال هو: هل الحركة الشعبية جديرة بأن تحكم شعب الجنوب وها هي تصدر القرارات أو تلمِّح بها في اتجاه مضاد لمصلحة الجنوبيين؟! أليس التمرد عليها والثورة عليها أمراً مستحقاً؟! ثم أين هؤلاء المستشارون الأمريكان؟!.. هل ما نراه من سياسات وقرارات للحركة الشعبية مؤخراً هو ثمار استشارة هؤلاء المستشارين؟