يبدو أن مفاوضات أديس أبابا التي يتزعمها الوسيط الإفريقي ثامبو أمبيكي بين دولتي السودان وجنوب السودان، تعاني موتاً سريرياً، وربما يريد كل من الطرفين أن يبادر أحدهما بالانسحاب قبل الآخر، او أن تأتي الخطوة من القائمين على أمر التفاوض بتعليق المحادثات، فقد سعت تلك المفاوضات منذ البداية سعياً حثيثاً لتقريب وجهات النظر بين البلدين والتوصل لإيجاد صيغ تحسم كل الملفات الخلافية دون إحداث توترات بين الطرفين، غير أن المفاوضات بشأن ملف النفط أخذت حيزاً كبيراً من الجدل، عاشه أطراف التفاوض، فضلاً عن المواقف المتأرجحة لدولة جنوب السودان بين الفينة والأخرى تجاه الملف وما تبقى من قضايا خلافية، وطيلة فترة الخمسة أعوام من عمر اتفاق نيفاشا شهدت الفترة مواقف غير ثابتة من الحركة تارة تهدد بالانسحاب من البرلمان وتارة أخرى تجمد نشاط وزرائها في حكومة الوحدة الوطنية، ومواقف متأرجحة وغير ثابتة في هذا القبيل، واستمرت حكومة الجنوب في مواقفها حتى بعد الانفصال، ففي الوقت الذي يسعى فيه المفاوضون للتوصل لاتفاق بشأن النفط، أعلنت حكومة الجنوب بلهجة شديدة إيقاف إنتاج النفط، بحجة أن الشمال يصادر نفط الجنوب للتعويض عن الرسوم التي لم تسدد بشأن العمليات الفنية التي يقدمها الشمال لنقل نفط الجنوب، وبإعلان قرار إيقاف إنتاج النفط كادت المفاوضات أن توشك على الانهيار، وبالرغم من كل ما يدور استمرت المفاوضات بعد موافقة الطرفين على التماس تقدمت به الوساطة الإفريقية بتمديد فترة المباحثات، غير أن مكالمة هاتفية تلقاها رئيس حكومة الجنوب سلفا كير ميارديت قيبل حسم ملف النفط بشكل نهائي، عصفت بالتوقيع الإطاري للاتفاق الذي أمن عليه الطرفان، الأمر الذي أدى إلى انفضاض القمة وعودة الجميع دون التوصل لشيء، والموضع برمته يشير إلى أن دولة الجنوب من خلال تصعيد لهجتها الحادة تتكئ على ضمانات كبيرة، هذا وقد اتضح ذلك جلياً عندما قال وزير النفط الجنوبي إن بلاده مستمرة في إيقاف إنتاجها النفطي احتجاجاً على استيلاء الخرطوم على جزء من شحناتها، مضيفاً أن «50% من الآبار تم إغلاقها فعلياً». ويري مراقبون أن جوبا تستند إلى واشنطن بدليل تأكيد التقرير الذي أورده موقع محيط «الإلكتروني» الذي كشف عن خطة بدأ تفعيلها منذ فترة وجيزة، تفتعل بموجبها دولة الجنوب مشكلات مع السودان وإدخاله في صراع حتى عام 2017م حتى تنهي دولة الجنوب مشروع خط نقل النفط جنوباً، وهو المشروع الذي رفضه الراحل جون قرنق وفق ما ذهب إليه التقرير، وأوضح الخبير أن مشروع مد خط أنابيب جديدة للجنوب تم استبعاده لتكلفته العالية، مشيراً إلى موافقة الجنوب على مشروع النقل عبر السكك الحديدية. والناظر لتصرفات دولة الجنوب المتعنتة والمتكررة بشأن ملف النفط واتخاذها قرار إيقاف إنتاجه يتأكد من أن القرار سياسي أكثر من كونه قراراً فنياً دون شك، وقد ذهب المحلل السياسي بروفيسور الطيب زين العابدين في حديثه ل «الإنتباهة» إلى أن المفاوضات بين الطرفين مازال فيها أمل بالرغم من بوادر الفشل التي تحيط بها، وقد نجح المقترح الذي تقدمت به الوساطة الإفريقية بين الدولتين، فكلاهما يحتاج لإيرادات النفط، فجوبا تعتمد عليه بنسبة 98%، ويحتاج إليه السودان لسد الفجوة التي يمر بها من نواحٍ عديدة. ويقول الطيب: «مهما كانت المزايدات بين الطرفين وكثرة المطالبات ربما تصل الوساطة الإفريقية لحل وسط دون مساومة بينهما، مؤكداً أن كل طرف عرف سقف الحد الأدنى»، وأكد الطيب أن المفاوضات سارية، وقال إنها بمثابة الأكسجين الذي ينقذ حياة المريض.