لقد توقعنا خلال شهر يوليو الماضي عندما كشفت ورقة عن دراسة النموذج الديمغرافي في السودان خلال الفترة بين 10 الى 15 سنة الماضية عندما اعلنت انخفاض فى معدلات الخصوبة، ان تقوم ثورة من المواطنين لرفع النسبة، لكن يبدو ان الورقة المهمة لم تعط الاهتمام المستحق، حيث ذكرت الدراسة التى اجرتها الباحثة في مجال الإحصاء د. كوثر عبد الرحمن حسن انه بجانب المسوحات التي تمت ومنها مسح الخصوبة في السودان 1979 1987 والمسح الصحي والديمغرافي في السودان خلال عامي 1988 1989م بالإضافة إلى مسح الأمومة الآمنة في عام 1999م، وبحسب احصاءات تحصلت عليها «الانتباهة» فإن العام 2011 وصل معدل الخصوبة بالسودان الى «4.84» بينما كان في العام 2010 «4.93»، ومن يعلم ماذا يخبئ لنا عام 2012، هذا الانخفاض الحاد في أحد أهم مؤشرات النمو السكاني في فترة وجيزة تاريخيًا وضد ما هو متوقع ومعروف اجتماعيًا فإن هناك نموًا سكانيًا مطردًا وعاليًا بجميع المقاييس العالمية. يحمل هذا التغيير نتائج اجتماعية واقتصادية وحتى سياسية يجب الانتباه والتخطيط تباعًا لها، فهذه سوف تفاجئ حتمًا القائمين بأمر مهام التخطيط وتحملهم عبئًا إضافيًا غير متوقع حتى سنوات قليلة مضت، حينما كان التوجس من النمو السكاني العالي هو الغالب.. تبدأ المهمة في القيام بسياسة سكانية تساعد على تحكم وسيطرة أفضل على التحولات الاجتماعية والاقتصادية في البلاد. تاريخيًا تعطي الحكومة درجة عالية من عدم التدخل في النمو السكاني والتخطيط العائلي، سواء بغرض الحد أو النمو، فيما قامت الحكومة بجهود في مجال الرعاية الطبية ومع التطبيق المنطلق من الشريعة في مسألة الإجهاض أو النجاح في الحد من موت الأطفال في عمر مبكر، وهذه لها تداعيات على النمو السكاني والتركيبة السكانية. قد تكون هذه السياسة الحيادية الأبوية مناسبة، ولكن مرة أخرى تتدخل التغيرات الواضحة في الضغط على بعض النواحي الاجتماعية والاقتصادية، وبالتالي الإستراتيجية لإيجاد سياسة تكون أهم عناصرها الحفاظ على ملاءمة تحولات اقتصادية ومالية مواتية مع الظروف السكانية الجديدة، وكذلك على مركز السودان الإقليمي اقتصاديًا واستراتيجيًا من خلال وضع سكاني مناسب ومتناسق مع الأهمية الإستراتيجية العمرية في المجتمع، خاصة حينما يكون انخفاض نسبة النمو السكاني سريعًا ومفاجئًا. أحد التداعيات في ذلك ينبع من مسؤولية ارتفاع حتى الفاتورة الصحية للمجتمع، حيث تحتاج الفئة العمرية الأكبر سنًا إلى خدمات ورعاية صحية أعلى وكذلك تزايد الطلب على التدفقات النقدية وقلة الأعداد التي تدخل سوق العمل. العنصر الآخر المهم في هذه المعادلة يظهر في تركيبة اللاجئين الموجودين بالسودان، وهذه نسبة عالية جداً ولذلك فإن أي نقص في النمو السكاني السوداني سيزيد من حالة عدم التوازن هذه، بما تحمل من نتائج عملية على المجتمع اقتصاديًا وعدة نواح أخرى.. ومما يزيد الموضوع إلحاحًا أن مستوى الإنتاجية لدينا ليس عاليًا ولذلك فإن أي تناقص حاد في العدد أو تشوه في التركيبة السكانية سوف يزيد الضغوط المالية والاقتصادية.. الجدير بالذكر أن هذه الظواهر بدأت تتسارع في عدة دول نامية، فعلى سبيل المثال، نجد أن كوريا بدأت تلحق سريعًا باليابان في الاقتراب نحو التناقص الفعلي في السكان، وحتى الصين بدأت تلوح هذه المسألة كأحد الموضوعات المهمة. اليابان ستواجه تناقصًا في عدد السكان هذه السنة، حيث إن نسبة نمو الخصوبة بلغت نحو 1.3 في المائة بينما يتطلب أن تكون النسبة نحو 1.5 في المائة للحفاظ على عدد ثابت من السكان، ناهيك عن التغير في الفئات العمرية، وحتى إقليميًا بدأت هذه الظاهرة في البروز ولعل دولاً كثيرة اضحت من الأمثلة الواضحة.. استراتيجيًا المطلوب اليوم هو العمل على أخذ هذا العامل في الحسبان كأحد العناصر المهمة في برامج التنمية الاستراتيجية، ولعل أولها استراتيجية سكانية واضحة المعالم وفي تناسق مع السياسة الاقتصادية للسودان.. المزعج في السياسة السكانية أنها بعيدة المدى، حيث تعطي البيروقراطي فرصة على الرهان في التملص من المسؤولية ومزعجة في مدى خطرها إذا لم تعط ما تستحقه من أهمية.