لم تجدِي إجابة شافية لسؤالك: لماذا يشغل الناس أنفسهم بشؤون الغير؟! وهو سؤال يبدأ من ملاحظة تقول: إن الناس يحشرون أنوفهم في شؤون الآخرين من المهد إلى اللحد. بالطبع لا تذكرين ذلك اليوم الذي انتبذت فيه أمك ركناً قصياً في مستشفى الدايات حيث كان خروجك للدنيا على يد ست رحمة الداية. وقد بدأت الأسئلة منذ تلك اللحظات: ولد ولا بت؟ بت.. أها.. سميتوها شنو؟ سميناها عفاف.. مبروكة.. إن شاء الله تتربى في عزكم.. وعندما تربيت في عز أسرتك استمر تدفق الأسئلة: بتكم ما مشت؟.. لسه بتحبي؟ بتكم ما توّرت السنون؟ بتكم ما اتكلمت؟ وعندما مشيتي وتورتي السنون أو الأسنان بالعربي الفصيح تدفق سيل آخر من الأسئلة: البت ما وديتوها المدرسة؟ في سنة كم هسع؟ ويستمر تدفق الأسئلة بصورة أكاديمية.. ليتدرج مع جميع مراحل التعليم فصلاً فصلاً وعاماً دراسياً تلو العام: بتكم ما دخلت المتوسط «طبعاً دا كان زمان». بتكم ما دخلت الثانوي؟ علمي ولا أدبي؟ وناوية تعمل شنو بعد تكمل الثانوي؟ عايزة تخش الجامعة؟ ياتو كلية؟ والغريب في الأمر أن بعض الناس يسألون ولا ينتظرون، بل يسألون ويجاوبون مثل: بتكم علمي ولا أدبي؟ طبعاً بتكون علمي لأنو أبوها علمي .. وحتخش الطب ولا الهندسة؟ طبعاً حتخش الهندسة لأنو عمها مهندس. وهي شاطرة ولا بليدة؟ طبعاً بتكون شاطرة عشان عمتها شاطرة جداً.. أصلهم بقولوا الولد خال والبت عمة.. كل تلك الأسئلة من هذا النوع تصدر من شخص واحد هي وأجوبتها الجاهزة.. وما عليكم إلا حسن الاستماع. ويأتي اليوم الذي تكمل فيه البنت أو الولد المراحل التعليمية لتبدأ أسئلة من نوع جديد: أها.. بتكم اتوظفت ولا لسع؟ وهي عايزة تشتغل وين؟ إلا أن هناك سؤالاً ذا ثلاثة شعب.. يتعلق بما إذا كانت البنت مخطوبة أو في طريقها إلى الخطوبة أو إذا كان لها ابن عم حاجزها.. ومن ذلك السؤال الجهبوذ تنشطر أسئلة فرعية أخرى تتعلق بالسلوك. وهي ليه رافعة نخرتها كدا؟.. يعني ما في إنسان عاجبها ؟.. وبالطبع لا يستطيع أحد أن يجيب لماذا ترفع البنت نخرتها إذ أن النخرة موجودة على الوجه ويقع الوجه في الرأس الذي يقع بدوره في منطقة مرتفعة من الجسم.. وإذا خيل للبعض أن النخرة مرفوعة فذلك لوضعها التشريحي الفريد الذي أشرنا إليه. وبعد أن يتحدد موعد الزواج تنهمر حزم كثيفة من الأسئلة .. أها عملتو شنو مع الحفلة والجرتق والعازومة والفنانين.. ؟ يريدون أن يعرفوا أدقَّ تفاصيل تلك العملية والإستراتيجية التي ستتخذها الأسرة في هذا المجال. وبالطبع وبعد أن ينتهي كل ذلك تبدأ أسئلة أخرى.. أها بتكم ما حملت؟ وعندما تضع ذات الحمل حملها: جابت شنو.. ولد ولا بت..؟ جابت بت.. مالو؟ البنات مستورات وباكر بتجيب الولد.. ويتحمّس العريس الذي مضى على زواجه عام فأنجب بنتاً ويواصل مشواره إلى البنت الرابعة.. ويتوقف ليجيب عن سؤال يحمل في طياته اقتراحاً محدداً.. يا خوي مرتك غير البنات ما عندها ولادة؟.. أحسن تشوف ليك طريقة للحكاية دي.. الزول ما بقعد بدون أولاد .. وتكبر البنات وتصحبهن أسئلة خاصة بكل بنت على النحو الذي ذكرناه وتغادر السيدة عفاف ومعها كومة من الأسئلة إلى الأراضي المقدسة لأداء الفريضة. وتنهمر أسئلة عديدة من نوع: طيارتم قامت؟ أها.. خلاص رموا الجمرات؟ وما حصلت ليهم حاجة مع الدفر والمدافرة؟ والله قالوا ناس غرب إفريقيا ديل صعبين خلاص.. الله يسلمهم منهم. - وقالوا طيارتم بتجي متين؟ وتعود عفاف وهي قد أصبحت تحمل أمام اسمها حاجة عفاف.. - أصبري يا حاجة عفاف.. إنتي غير موية زمزم ما جبتي معاك حاجة؟ وذات يوم تصاب بفشل كلوي ويقرر الأطباء إرسالها إلى الخارج للعلاج وتأتي أسئلة من نوع : لكين أنتو عندكم قروش للعلاج دا؟ طبعاً العلاج غالي في بلاد بره، وناس القموسيون قالوا ليكم شنو؟ ومودينها الأردن ولا السعودية.. ولكن إرادة الله كانت هي الغالبة فتموت الحاجة عفاف بعد عمر طويل قضته في إجابة كل تلك الأسئلة.. غير أنها لا تسمع السؤال الأخير الذي يشيعها إلى مثواها الأخير تماماً مثلما لم تسمع السؤال الذي غمرها وهي في ركن قصي من مستشفى الدايات.. ولد ولا بت؟ وكان السؤال الذي اندس معها تحت الكفن: وحتدفنوا في البكري ولا أحمد شرفي؟ آخر الكلام: دل على وعيك البيئي.. لا تقطع شجرة ولا تقبل ولا تشترِ ولا تهدِ هدية مصنوعة من جلد النمر أو التمساح أو الورل أو الأصلة أو سن الفيل وليكن شعارك الحياة لنا ولسوانا. ولكي تحافظ على تلك الحياة الغالية لا تتكلم في الموبايل وأنت تقود السيارة أو تعبر الشارع وأغلقه أو ضعه في حالة صمت وأنت في المسجد.