بينما كنت أقف صباحا أمام كشك الجرائد مع صديقى (لطفى) وقف أمامنا شاب فى مقتبل العمر يرتدى ملابس نظيفة ومتناسقة ولا تبدو عليه أى علامات (مش هيا). سأله لطفى الذى يبدو أنه يعرفه: - وين انت يا زول؟ - انا مشيت للحلاق أصلّح العربية بس أول ما دخلت لقيت ليك (العجب) قاعد يشوت فى (البلنتى) والإستاد ده كلو واقف حيلو وماسك فى شماعت الحافلة والكمسارى واقف قاعد يشحن الموبايل بتاعو فى محل السندوتشات!! - (وهو يخاطب أحد المارة): هواء ساااكت؟؟ تعال بالله أوزن ليا (اللساتك) دى!! (ثم مواصلاً) أها أنا قمت قلت كده ح اتأخر قمت نزلت قدام الصراف الآلى دخلت البطاقة قام بتاع الحركة عمل ليا مخالفة وقطعنى إيصال وشال منى (الحاجة الباردة)!! - (مرة أخرى يخاطب أحد المارة): هواء ساااكت؟؟ تعال بالله أوزن ليا (اللساتك) دى!! (ثم مواصلاً): أها قمت طوالى طلعت لقيت بتاع أمجاد أشرت ليهو قام وقف قلت ليهو ماشى مشوار قال ليا ما بقدر ماشى أسدد الشيك بتاعى ده أها فى اللحظة دى قامت الكهرباء قطعت والكمبيوتر إتقفل و(الويندوز) طش قمت قلت ليهو نزلنى هنا قام نزلنى لقيت ليك نفسى قدام الدايات نزلت دخلت بتاع الموبايلات أها شربت ليا منو إتنين «3310» وواحد شيطان وركبت رجعت البيت!! - (مرة أخرى يخاطب أحد المارة): هواء ساااكت؟؟ تعال بالله أوزن ليا (اللساتك) دى!! ما أن غادر (طلال) حتى وجدتنى أسأل (لطفى) عن سبب هذه (الهترشة) والكلام غير المترابط، أخبرنى لطفى بأن (طلال) قد تعرض إلى ضغط عصبى أودى به إلى هذه الحالة كما أخبره أحد أقربائه بذلك، فهو أحد الخريجين الذين وقفوا ينتظرون فرصة للعمل سنين طويلة دون جدوى وعندما أصابه اليأس من فرص التعيين قام طلال بشراء (حافلة أمجاد) من أحد البنوك (السابت شغلا وبقت تبيع عربات دى) وذلك بهامش ربح للبنك يعادل أكثر من (ثلث الثمن) وقد بدأ فى تسديد الأقساط (المجحفة) وذلك بالعمل ليل نهار مما سبب له إرهاقاً شديداً جعله يستعين بنوع من (الحبوب المنشطة) - يواصل لطفى - بعد القرار الأخير بإيقاف عمل (الأمجاد والحافلات) بالدخول والعمل فى (قلب الخرطوم) تدهور (ايراد الأمجاد) الشىء الذى جعل (طلال) غير قادر على تسديد (القسط) فى مواعيده مما جعل إدارة البنك تتصل به معطية أياه فرصة (اسبوع) للسداد أو تقديم (الشيك) للنيابه، بدأ (طلال) يعمل ليل نهار دون توقف آملا فى جمع مبلغ (الشيك)، فى اليوم قبل الأخير وبينما كان يسير بعربته فى ساعة متأخرة من الليل فى أحد الأحياء بعد أن قام بإنزال مشوار أوقفه رجل (خمسينى) يبدو عليه الإرتباك: - عليك الله بس عاوزين نوصل الدايات الحاجة دى بتتوجع وكده! إنطلقت الأمجاد تحمل (الرجل) وزوجته ذات (البطن المنتفخ) التى ما فتئت تتأوه صوب (الدايات).. - إن شاء الله الحاجة تتحلا بالسلامة.. - الله يسلمك يابنى.. تعرف أنا عندى ستة بنات وبفتش للولد.. - ربنا إن شاء الله يرزقك ولد يا حاج.. - تعرف يا إبنى الظاهر إنت وش سعد تعرف لو المولود جاء ولد أنا ح أديك (إتنين مليون) ولو كمان ربنا (جابا بت) أنا ما ح أقصر معاك برضو وح أديك (مليون) جنيه.. توقفت الأمجاد فى تلك الساعة المتأخرة من الليل أمام الدايات.. دخل الرجل وزوجته.. تشاغل (طلال) بتنظيف زجاج (الأمجاد) و(البودى) بفوطة كان يحملها وهو يقوم بتكسير الوكت ممنياً نفسه (بالجائزة) التى وعدها به الرجل والتى فى حدها الأدنى (لو جات بت) سوف تساعده فى تسديد (شيك البنك) الذى أزفت مواعيده وتبعده عن شبح (النيابة) والسجن والتلتلة.. ده لو ما (جاء ولد) والأمور بقت آخر (عسل).. لم يقطع تفكير (طلال) إلا منظر (الرجل) وهو يخرج من (بوابة الدايات) متجهاً صوب الأمجاد: - شنو بشر؟ إن شاء الله يكون ولد.. - (فى حزن) : لا..! - أها (بت) مش كده.. - ولا بت! - أها طيب شنو..! - الحمل طلع هواء.. هواء ساااكت!!