الأستاذ الفاضل علي يس، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته - أطلب في هذه المساحة المميزة - جزاك الله عليها خيراً - إبداء بعض التعقيب على حديث أمر الذمة، وأرجو المعذرة إن كان حديثي سيغيِّر مسار الموضوع قليلاً إذ إنني أعني الذمة التي يجب أن تكون داخل ضمير كل مسؤول وليست الذمة التي «يكتبونها على الورق»، ولا أعني بالمسؤول هنا من كان في منصب معيَّن من الدولة فكل من تولى أمرًا من أمور المسلمين بكامل وعيه وإرادته فهو مسؤول عن ما تولى، ويجب عليه تحري الذمة والضمير في عمله «وإلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير»، وأرجو الحديث هنا عن مهنة إنسانية وإنسانية جداً إن صح التعبير لأنها تتعلق بمن لا حولَ لهم ولا قوة ولايملكون الدفاع عن أنفسهم ويجب على كل من يعمل فيها أو يتولى أمر التعيين فيها أن يكون على درجة عالية من نزاهة الذمة والضمير. - في الحقيقة هما قضيتان متلازمتان الأولى هي قضية اختيار المعلم والقضية الثانية هي ظاهرة ضرب التلاميذ في المدارس بطريقة ملفتة للانتباه إذ أنها تعدت حدود المعقول وأصبح عقاب الأطفال في المدارس يتخذ صوراً تكاد تكون وحشية وأصبح الضرب لدى كثير من المعلمين هو الأسلوب الأمثل للتفاهم، والأطفال يُضربون ويُهانون في المدارس لأتفه الأسباب وصرنا نقرأ في صحفنا عن طفل نُقِل إلى المستشفى بإصابات جسيمة نتيجة ضرب المعلم له. ماذا تنتظر يا من وليت على هذا الأمر أكثر من ذلك؟! ربما نسمع بعد هذا عن طفل يلقى حتفه نتيجة ضرب معلمه مثل ما حدث في دولة جارة.. قصة الطفل «إسلام» التي شغلت الرأي العام في تلك الدولة مدة ليست بالقليلة ولاقت من الاهتمام ما تستحقه القضية. - هناك الكثير من المعلمين الذين نكنُّ لهم كل الاحترام والتقدير فهم آباء أفاضل وأمهات فضليات ومثل صالح لأبنائنا، لكن الحديث هنا عن فئة من المعلمين ليست بالقليلة اتخذت من أسلوب الضرب والشتم والتوبيخ لأتفه الأسباب منهجاً في التعامل مع الصغار. طبعاً القرار الذي أصدرته وزارة التربية والتعليم قبل عدة سنوات والقاضي بمنع ضرب التلاميذ في المدارس لا وجود له على أرض الواقع وكأنه لم يكن، والوزارة تعلم هذا تمام العلم. - أتساءل: ما هي المعايير والأسس التي يتم على أساسها اختيار المعلم الذي يقضي مع هؤلاء الأطفال مدة ست إلى ثماني ساعات خلال اليوم ولماذا مهنة التدريس بالذات هي مهنة سهلة المنال ويمكن لكل من يحمل شهادة أكاديمية أن يعمل بها مع الصعوبة البالغة في الحصول على المهن الأخرى! مع أن المفترض هو حدوث العكس لما لهذه المهنة من دور في المجتمع وبالتالي في الدولة ككل.. لا أظنه يخفى على أحد الآثار السالبة لمثل هذا النوع من العقاب وقتله العديد من المواهب داخل الطفل. قد يتلقى المعلم في بداية تعيينه دورات تدريبية في التدريس وتوصيل المعلومة لكنه لا يُدرب على كيفية التعامل الراقي والرحيم مع الأطفال الذين هم في أمس الحاجة إليه بحكم تركيبتهم الوديعة واللطيفة التي فطرهم الله عليها.إن الطفل بطبعه يشعر بالاحترام والمهابة تجاه معلمه ولا أظن أننا في حاجة إلى كل هذه القسوة حتى نعلِّم أو نربي، قد تكون هناك بعض الحالات لتلاميذ متمردين وهؤلاء علاجهم عند الاختصاصي الاجتماعي الذي يجب أن يكون موجودًا في كل مدرسة. - هذا الحديث بالتأكيد ليس معناه إلغاء دور العقاب في التربية ، لكن بالتي هي أحسن، «يعني مثلاً يا أستاذ لو جاك الولد ما عامل الواجب بدل ما تضيع زمن ومجهود في ضربو أطلب منه يعيد كتابة الواجب خمس أو حتى عشر مرات مثلاً .. لاحظ إنو كده خطو حيتحسن، حيفهم الدرس أو يحفظو أكتر والله أعلم أنو يهمل تاني». لنأخذ مثالاً لمعلم يهابه الأطفال ويخافون منه وآخر محبوب يتبع نهج التعامل بالتي هي أحسن.. طبعاً لا يخفى على أحد أن تلاميذ المعلم الطيب الصبور هم الأكثر حباً للمادة وبالتالي أكثر تفوقاً فيها، أما الفريق الآخر، المغلوبون على أمرهم، فقد يكرهون هذه المادة إلى يوم الدين. - يا أخي، رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم معلم الإنسانية جمعاء لم يضرب صبياً قط في حياته ليعلمه أمر دين أو دنيا وإنما أمرنا بضربهم بعد سن العاشرة على الصلاة لعظم شأنها، فأين أنت يا أخي من نهج قدوتنا وهادينا ولا تستطيع الصبر على عدد من الصغار لمدة أربعين دقيقة. إن الحديث عن صعاب الحياة ومشكلاتها اليومية وأثر ذلك على المعلم بما يجعله متوتراً وعصبياً ليس سبباً منطقياً يجعله يفرغ ما يشعر في هؤلاء الأبرياء ، يا أخي كل واحد بيحمل هموم ومشاكل ودي سمة الحياة منذ بدء الخليقة ما بس عصرنا البنحملو كل مشاكلنا «لقد خلقنا الإنسان في كبد». لا أدري لماذا هناك نوع من التحفُّظ لدى البعض تجاه هذا الموضوع وعدم الحديث فيه بالصراحة المطلقة، والله هؤلاء الأطفال هم أمانة الله عندنا وهم أساس المجتمع و كل المستقبل وعندهم الحق في المعاملة الكريمة ونحن لا نخشى فيهم لومة لائم والذي لا يستطيع أن يتعامل معهم بما يرضي الله ما يشتغل مدرس والأرزاق على الله. أم عمرو