لم أكن أنوي أن أخوض مرة أخرى في موضوع (عقوبة الجلد)، وأعقب على تعقيب أستاذ أصول التربية (د. ياسر هاشم عثمان) في مرافعته دفاعا عن مبدأ العقوبة الذي حمّله لبريدي الالكتروني، وتفضل الأخ وجدي الكردي مشكورا بنشرها في زاوية (حدائق الريحان)، حتى لا يتحول تعاقب التعقيبات إلى عقوبة تقع على رؤوس أصدقاء اللطائف، ويحمل الجدال سمة ال (خد وهات) كتداول الكرة بين أقدام اللعيبة أو ك (المحاورة) التي يبدو أن (وارغو) لا يفهم فيها (التكتح) ! طبعا ممكن تقولوا لي هسي (وارغو) الدخلو هنا شنو؟ وأقول لأن الشيء بالشيء يذكر و .. أهو حراق روح للمجروح والسلام !! لن أحاول أن أفند حجج وأسانيد الأخ (د. ياسر) التي ساقها لنا، إلا في سياق فقة سد باب الذرائع، ذلك المنهج الذي قال فيه سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه : (كنا ندع تسعة أعشار الحلال مخافة الوقوع في الحرام). فقد يدع المؤمن في زمن صحابتنا الأبرار، حلال بين لا شبه فيه حتى لا يقع في حرام مستتر قد لا ينتبه له، أفلا يحق لنا أن ننظم شئون دنيانا - التي قال عنها رسولنا الكريم ( أنتم أعلم بشؤون دنياكم ) - بما يتوفر أمامنا من معطيات تؤكد على أن الحال (ليس) بنفس الحال، الذي كان في زمن معلمي (بخت الرضا) و(معهد المعلمين العالي) ؟!! فهيبة المعلم لن ينتقص منها غل يده ودفعها بعيدا عن ظهور الأطفال وأياديهم الغضة، ولكنها انتقصت منذ أن صار التعليم مهنة من لا مهنة له ! فالكثير من خريجي الجامعات اتخذوا التدريس (وجاءً) من نار العطالة، بدون تدريب أو تأهيل يجعلهم قادرين على حمل هذه الأمانة، ومع ضعف العائد المادي للتدريس الذي لو كان قليلا دائم لكان خير من كثير منقطع .. فهناك من المعلمين من لا يصرف (قليل الماهية) المنقطع مرتين أو ثلاثة مرات في العام ! نعود لأسانيد عقوبة الجلد التي ساقها (د. ياسر)، وليعذرني إن تناولها قلمي بشيء من المعالجة الساخرة، فذلك من باب الدعابة التي يعلم أصدقاء اللطائف أنني لا أقصد بها الاساءة أو التقليل من شأن المخاطب . طيب .. أصيب شاويشي بحيرة لا يعلم مداها إلا الله، عندما استند الدكتور في تأكيده على مشروعية عقوبة جلد الأطفال على قوله تعالى (وأضربوهنّ)، والغريبة برضو أنه استرجع وقال أن الاية خاصة بضرب النساء ولكنها تنفع لتأييد مشروعية التأديب بالضرب !! وكأنه اراد أن يقول (لا بأس بضرب الشفع إذا كان في الامكان ضرب أمهاتهم ذاتن) !! أما اسناده الاخر ب (مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع واضربوهم عليها وهم أبناء عشر) فقد زاد في الحيرة العلي تاااني .. فالمخاطب بهذا الحديث الشريف هم (الآباء) ليس غيرهم، والشأن الذي يوجب العقاب بالضرب شأن عظيم وهو تعليم الابناء التعود على تأدية الصلاة في ميقاتها، فكيف نقارن بين عقوبة ترك ركن من أركان الاسلام، مع عقوبة المشاغبة أو التقاعس عن أداء الواجبات المدرسية .. إيش جاب ل جاب ؟! أما تعويله على أن الضرب سياسة معمول بها منذ الأزل، وأن كبارنا وآبائنا وأشقائنا وأزواجنا ضربوا ضرب غرائب الابل، ولم يؤثر فيهم الضرب بل (مشوا لي قدام زي الترتيب)، فتلك حجة يتحجج بها كل من يؤيد عقوبة الجلد .. ونحن بدورنا – يعني المعارضين للسياسة دي - سوف نسأل: ياتوا ترتيب المشيناهو ده ؟!! فمنذ مغادرة الأنجليز لديارنا العامرة ونحنا ماشين ل ورا .. وبيننا وبين مواكبة ركب الحضارة مسيرة قرن كامل ده لو شدينا حيلنا وحاولنا نحصلو .. مش الناس الانجلدوا زمان ياهم الماسكين زمام أمورنا الآن ؟ .. في المدارس والمصانع والدواوين وكل منفذ مفتوح لقضاء حوائج الناس!! أها .. ما ملاحظين إنو كل زول يتولى شأن من شئون الشعب السوداني البطل، سارع باغتنام الفرصة لفشفشة العقد المترسبة في دواخله من جراء ما انجلد زمان لمن قال الروب ؟! العقد الدفينة، والسادية المستترة في ضمير تقديره (اغمت) (الغف) (كاوش) (لملم)، وشعار (بت أم روحي أولا وأخيرا) وبعدها الطوفان، كلها مخلفات جيل تربى على الضرب .. فنجاح سياسات التعليم القديمة لا يقاس بكمية المتفوقين وخريجي الجامعات، ولكن يقاس بعدد الأسوياء اصحاء النفوس الذين لا تكبلهم العقد واشباح الماضي ولا تقف حائلا بينهم وبين التقدم للأمام ووضع البلد في (نني) العيون .. وزي ما قال جدي: (الله يسامح الأزهري المرق الإنجليز قبال يصلحوا لينا البلد)، ونحنا نقول بدورنا (ياحليلم) فلو كانوا فينا لما صار العيال ملطشة .. ففي الغرب لا يستطيع حتى الأب والأم ممارسة الفشفشة على حساب اطفالهم دعك عن غيرهم. لطائف - صحيفة حكايات [email protected]