راجعُوا هذه المناهج!! الأستاذ الفاضل / علي يس، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.. أرجو التكرم بإتاحة الفرصة لي بمواصلة حديث الجمعة الفائتة في ما يتعلّق بشأن تعليم الصغار.. والحقيقة أن ما شجعني على الكتابة إليكم هو ما قرأته في عدد الأمس من صحيفة الإنتباهة عن إعلان وزير التربية والتعليم في مؤتمره للإعلامين أن «المناهج المدرسية تعاني خللاً».. إن الحديث عن المناهج المدرسية وأنا أعني هنا مناهج مرحلة الأساس يطول ويكثر بكثرة ما تحمله حقائب هؤلاء التلاميذ المساكين والتي أصبحت عبئاً ثقيلاً تنوءُ به ظهورهم.. وأنا أتساءل إن كانت وزارة التربية والتعليم مقتنعة بما تقدمه أم أن تغييرها للمناهج بين كل فينة وأخرى دلالة على عدم ثقتها بما تطرح؟! لا أعتقد أن كثرة تغيير المناهج هو بغرض مواكبة العلم والتطور مثلاً وأغلب الظن أن ثورة التعليم والتي عمرها الآن اثنان وعشرون عاماً ما زالت تجرِّب ولم تصل بعد إلى قرار بشأن التعليم خصوصاً في ما يتعلق بالمنهج المدرسي. بصراحة يا وزارة التربية « ونحن ما بنتكلم معاكم بصراحة إلا لأنكم شركاؤنا في تربية أولادنا الحيكون بيدهم مستقبل بلادنا» المناهج المدرسية تعاني ضعفاً واضحاً لا يخفى على أي ولي أمر يتابع تدريس أبنائه، على سبيل المثال كتاب مادة العلوم التطبيقية للصف الخامس يحوي الكثير ممَّا لا يعلم فائدته لهؤلاء الأطفال إلا الله «بالمناسبة تلاميذ مرحلة الأساس هم أطفال ويجب التعامل معهم كأطفال»، هذا الكتاب يدرس الأولاد والبنات على حد سواء تفصيل الملابس وأشكال غرز الخياطة «دي سراجة ودي شلالة ودي عقدة ودي ما أدري ماذا» أليس هناك ما هو أفيد من هذا؟ مثل هذه المعلومات يجب ألاَّ تكون في صورة منهج يُحفظ ويُمتحن فيه، لكن يمكن أن تكون ضمن مناشط وهوايات اختيارية لمن أراد ذلك. كما أن الكمية الكبيرة من المعلومات داخل الكتب لا تعني طفلاً متفتحاً أو ذكيَّاً يفيد بلده، والقليل المفيد خيرٌ من كثير يُنسى بنهاية العام الدراسي و«العلم في الراس وليس في الكراس كما يقول صغاري»، وعلماء النفس من الذين تخصصوا في الأطفال يقولون إن الضغط على الطفل بتحفيظه كميات كبيرة جداً من المعلومات يقلل عنده الذكاء الفطري ويؤدي إلى تأخير ملكة الحفظ السريع عنده .أيضاً المناهج فقيرة في جانب تفسير القرآن الكريم والتجويد ولا أعني بالتفسير هنا معاني الكلمات وحفظها فقط، فالطفل قد يحفظ معنى الكلمة الموجود في الكتاب لكن لا يعني ذلك أنه فهم المعنى.. لماذا لا توضع مناهج للمعلمين تحوي تفسير كل ما يحفظه الأطفال من القرآن بدءاً من سورة الفاتحة؟ «إن هذا القرآنَ يهدي للتي هي أقومُ» ولا تتم الهداية إلا بفهم ما يحفظون، إلى جانب التجويد الذي يجب أن يبدأ من بداية الحفظ وبجرعات مناسبة لأعمارهم حتى ينشأوا على القراءة السليمة. أيضًا كتبنا المدرسية تفتقر إلى إثراء روح المحبة والمعاملة الطيبة بين الأطفال إذ أن المدارس تعاني من تفشي ظاهرة العنف بين التلاميذ، هذه الظاهرة التي تدعمها وترعاها بعض فضائيات الأطفال. القصة الجميلة والمثيرة التي تخاطب وجدان الطفل وتوسع خياله كذلك غائبة عن كتبنا المدرسية والتي هي وسيلة فعالة جداً في تعليم الأطفال القيم والأخلاق لما لها من مفعول السحر على نفوسهم. عزيزتي وزارة التربية والتعليم.. الكلام كثير ونحن لا نتكلم لأجل الانتقاد فقط لكن ما تحملونه من أمانة هو جدُّ كبير وأنتم مسؤولون أمام الله معنا عن زرع البذرة الصالحة في نفوس هؤلاء الصغار قبل تعليمهم نظريات الرياضيات والعلوم خصوصاً في عصر تحيطنا فيه تحديات تصعب علينا كل ذلك. أنا لا أعني التقليل من شأن العلوم المختلفة لا سمح الله لكني أظن أن الذي أسماها وزارة التربية والتعليم ولم يسمها وزارة التعليم والتربية كان له حكمة وقصد من وراء ذلك. أعاننا الله وإياكم على ما فيه صلاح أبنائنا. أم عمرو من يحاكمُ من؟؟؟ الأستاذ / علي يس، إذا منحوك تأشيرةً إلى «مالطا» فأرجوك أن تذهب، لتؤذن هناك، وهذا أيسر وأمتعُ كثيراً من صراخك هُنا في السودان بضرورة مواجهة الفساد والمفسدين وتقديمهم إلى المحاكمة.. و بالمناسبة «يا مولانا، كما ظللت دائماً تخاطب قارئك» هل تذكر أن العقَّاد، عليه رحمة الله، كان قد أجاب من سألهُ: «لماذا لا تتقدم، يا أستاذ العقاد، لنيل درجة الدكتوراة من إحدى الجامعات؟».. هل تذكر يا أستاذ علي أن العقاد أجاب سائلهُ بقوله: ومن الذي سوف يمتحنني؟؟!! «و علامتا التعجب بعد الاستفهام من العقاد وليستا مني».. تدري، يا شيخنا علي، ما أراد العقاد قوله، وهو أنه ليس بين أولئك الذين يمنحون الناس درجة الدكتوراة في مصر آنذاك من هو أعلمُ من العقاد ليمتحنه.. وطبعاً لن يحول ذكاؤك ولا ذكاء قرائك دون إدراك العلاقة بين حديث العقاد هذا وبين مكافحة الفساد رسمياً، في بلدنا هذا، فبعد إجراء القليل من التعديل في القيم والمبادئ، تستطيع أن تفترض عبارة العقاد نفسها على ألسُن المفسدين الكبار، الذين ضجت صحافتنا بذكر فضائحهم في الفساد المالي والإداري و...، عندما تسألهم يا علي: لماذا، يا مشائخ، لا تخضعُون للمحاكمة؟؟.. سوف يجيبك أمثلهم طريقةً: ومن الذي سوف يحاكمني؟؟!!!.. وتستطيع ملاحظة زيادة علامات التعجُّب في وجه مفسدنا الطيب، وتستطيع بلا شك أن تفهم معنى قولته هذه، وتستطيع، فوق ذلك، أن تدرك: لماذا يمشي المفسدون واللصوص مطمئنين في الأسواق، بينما تتغنى الصحافة ب«بلاويهم» كل صباح.. القليلون الذين يقدمون لمحاكمات، هم أولئك الذين لا يعرفون ما يعرفه «العقاد».. تفهمني بلا شك.. يوسف يعقوب