بيانات متتالية من أحزاب قوى الحرية والتغيير تعلن عدم مشاركتها في الحكومة الانتقالية، وهو قرار يتوافق تماماً مع روح الشارع ومن شأنه أن يفسح المجال لعملية تغيير سلسة بدون تعقيدات كثيرة. في الأصل لو تشكلت الحكومة المدنية وفقاً لحصص الأحزاب فهي معرضة للسقوط في أسرع وقت، ليس فقط لأن الكثيرين في الشارع كادوا أن يكفروا بالوجوه الحزبية بل لأن التوافق بين هذا الكم من الأحزاب سيكون أعسر من عملية خلع البشير. المهم الآن أن يضع الجميع هذا الشارع نصب أعينهم وأن لا يسيئوا التقدير.. الآن الحاكم الفعلي هو الشارع وأية تقديرات تبعد عن القراءة الواقعية لهذا الشارع سوف تسحب الكثير من رصيد القوى السياسية الذي بدأ يتلملم الآن.أية فترة انتقالية تُحسب على الأحزاب ويحتكم الشارع عليها في محاسبة الأحزاب في فترة الانتخابات، لذا الطبيعي أن لا تُشارك الأحزاب فيها ويُترك أمر إدارتها لخبراء على أن تستعد الأحزاب خلال الفترة الانتقالية وتُهيئ نفسها لخوض الانتخابات. إذا اكتملت ترتيبات الفترة الانتقالية بسلاسة وسُلمت إدارة البلاد للكفاءات والخبراء فالاستعداد لما هو أصعب هو المحك الحقيقي، وهو عملية الانتقال لمرحلة ديمقراطية، يستعد الناس فيها لقبول من تأتي به الصناديق مهما يكن. والمحك الأصعب هو القبول بمن تأتي به الصناديق والصبر عليه.. الصبر على الديمقراطية سوف يكون أصعب بكثير من الصبر على السنوات العجاف التي مضت. نحتاج أن نهيئ المشهد لقبول الديمقراطية.. صحيح أن الجميع يتحدث ويتباهى ويتحدى بقبول من يأتي به الشعب، لكن الواقع سوف يكون غير ذلك أو على الأقل ليس مطابقاً لكثير القول. الحاجة الملحة والتي ينبغي أن تمضي من الآن، هو العمل بجد نحو بناء مؤسسات دولة وطنية، على كافة القطاعات. بناء مؤسسات تقف على مسافة متساوية من كل التيارات والمجموعات سوف يضمن العبور للمرحلة القادمة. تحرير المؤسسات من قبضة المنظومة الفاسدة والتي أحمكت طوقها لثلاثين عاماً هو أمر مهم بدرجة أكبر من "من يحكم السودان". وهذا لن يتأتى إلا بحكومة مدنية مستقلة على رأسها خبراء حقيقيون وكفاءات وطنية بإمكانها أن تتخذ قرارتها دون الرجوع لأي تنظيم، حكومة لا ولاء لها إلا لهذه الثورة التي سالت فيها دماء بما يزيد عن الحاجة للتغيير.