د. مزمل أبو القاسم للعطر افتضاح *الحسابات السياسية الآنية تشير إلى أن واقع السودان الحالي أسوأ من سابقه، لا من الناحية الأمنية، ولا بما يتصل بالحريات العامة، بل بمجمل الطقس السياسي العام، الذي يشهد احتقاناً مزعجاً، يؤذن بالانفجار. *حتى ما قبل 11 أبريل كانت البلاد تستند إلى سلطة تنفيذية مكتملة (بمستوياتها الثلاثة)، وأخرى تشريعية تمارس عملها بانتظام في المركز والولايات.. أما حالياً فتدار البلاد بسلطة واحدة، تتمثل في المجلس العسكري الانتقالي.. فقط. *بتلك الحسابات فإن الواقع السياسي الحالي أسوأ من السابق بكثير. *لا جدال على أن قوى إعلان الحرية والتغيير ارتكبت خطأً مؤثراً، بتقديمها وثيقة دستورية لم تحصل على الحد الأدنى من التوافق حولها، بالإضافة إلى عجز تلك القوى عن توحيد مواقفها التفاوضية، وتشاكس مكوناتها السياسية، وتباين رؤاها في بعض القضايا المطروحة في الساحة. *قد يكون ذلك كله صحيحاً، لكن قوى التغيير تبقى برغم ذلك كله في موقفٍ سياسي وتفاوضي (وأخلاقي) أفضل بكثير من الموقف الذي يتخندق فيه المجلس العسكري حالياً، برغم غزارة الأهداف التي سجلها المجلس في شباك تلك القوى خلال اليومين الماضيين. *اللقاء الذي عقده المجلس مع بقية القوى السياسية أمس يمثل محاولةً واضحة للضغط على قوى إعلان الحرية والتغيير، لإجبارها على تليين مواقفها التفاوضية في مقبل الأيام. *بالقياس نفسه يمكن التعامل مع تلويح المجلس العسكري بإجراء انتخابات خلال ستة أشهر من الآن، لأننا نعلم يقيناً أن ذلك لن يحدث، وأن المجلس يريد بذلك التهديد الناعم رفع معدل الضغط على شركائه المحتملين، كي يوافقوا على منحه غالبية مقاعد مجلس السيادة. *حتى الحديث عن إغفال الإشارة إلى الشريعة الإسلامية في الوثيقة يدخل من باب (الشنشنة) التي نعرفها عن أخزم، لأن القصد منها معلوم، والهدف منها واضح للكافة. *برغم التشاكس، وتواضع مستوى التنسيق، وعدم القدرة على تكوين مجلس قيادي يتولى حسم القضايا الكبيرة، إلا أن قوى التغيير ظلت واضحةً في مطالبها الرئيسية، سيما المتعلق بتكوين مجلس سيادة مدني، يحوي تمثيلاً محدوداً للعسكريين. *في المقابل ظل المجلس العسكري يتشدق بالحديث عن زهده في السلطة، مع أن مواقفه تدل على تشبثه بها. *المجلس الذي وافق على الدخول في شراكة مع قوى الحرية والتغيير، وخاض معها جولات تفاوض استهدفت محاولة الاتفاق على مكونات وصلاحيات هياكل السلطة الانتقالية، عاد لاحقاً إلى (تكتكة المواقف) بجمع أحزاب الفكة وشركاء الوطني، لاستخدامهم كورقة ضغط على من يصرون على حرمانه من نيل غالبية مقاعد المجلس السيادي. *التكتيكات التي يستخدمها الطرفان في العموم، تهدر وقت الوطن والمواطن في ما لا يفيد، وتوتِّر الأجواء، وتضع أمن الوطن على المحك، لذلك ننصحهما بأن يمارسا شيئاً من العقلانية، ويختصرا الوقت، بإنجاز المتفق والمُجمع عليه في الحال. *نريد منهما أن يدخلا في شراكة استراتيجية مسؤولة، تبتعد عن التكتيكات المرحلية، والكيد السياسي اللحظي، كي تساعد الطرفين على عبور مربع الأزمة الحالية، وتقود البلاد إلى آفاق الفترة الانتقالية بسلام. *طالما أن المجلس مُقر بأحقية قوى الحرية والتغيير في الإشراف على الشقين التشريعي والتنفيذي، فما الذي يحول دون تكوين الحكومة والمجلس التشريعي الانتقالي في الحال؟ *ذلك يمكن أن يتم بموجب مرسوم دستوري محدود الأثر، يصدره المجلس العسكري بالتنسيق مع قوى التغيير، ويتم بموجبه تكوين المستويين المذكورين، على أن تستكمل نواقص الإعلان لاحقاً، إذا وجدت. *إذا حدث ذلك فسنضمن تكوين حكومة تدير البلاد، وبرلمان يتولى مهام التشريع، ويجتهد لتخفيف حالة الاحتقان الحالية، التي تشكل أكبر خطر على الوطن قبل الثورة. *فكروا بطريقة إيجابية، وتعاونوا واجتهدوا لإقرار شراكة حقيقية بدلاً من استخدام نهج التراشق بالكلمات، والتفاوض بالمواقف المرحلية والتكتيكات اللحظية، على حساب الوطن وشعبه وأمنه ومستقبل الأجيال الواعدة التي شكلت وقود الثورة.