خيمتان وحشد يترقب، وحينما تجاوزت الساعة الثانية لما بعد ظهر الأمس دلفت ثلاث سيارات فاخرة تحمل في جوفها متهمي المحاولة الانقلابية الأخيرة الذين أطلق عفو رئاسي أسْرهم، فبدا المكان بضاحية "جبرة" مربع (15) كباحة عرس تنتظر مقدم صاحب الفرح، بعد (145) يوماً قضوها وراء القضبان بسجن كوبر، وبإطلاق المحكمة لحكمها أكمل العفو الرئاسي بقية فصول القصة التي تحولت نهايتها إلى "عرس" حقيقي، وسط زغاريد النسوة وإطلاق الأعيرة النارية، حشود من النساء والرجال والأطفال كانوا بالانتظار ولم يكد باب السيارة يفتح حتى حمل العميد "محمد إبراهيم عبد الجليل" الشهير ب"ود إبراهيم "على الأعناق، وتم إسدال الستار على القضية. ما إن دخل العميد "ود إبراهيم" إلى باحة أحد المنازل المجاورة لمنزل شقيقه حيث جلس ليستريح قليلاً، حتى طرحت عليه عدد من الأسئلة فأجابني على الفور بعد أن تقدم بشكره للشعب السوداني بأطيافه كافة على ما وصفها بالوقفة الكبيرة التي وقفها معهم خلال الفترة الماضية، وقال: (نسأل الله تعالى أن يتقبل من الجميع، وأقول لإخواني في القوات المسلحة بمختلف رتبهم وكل من وقف معنا أن القوات المسلحة بتاريخها العريق دوما مع الحق، وأنا رسالتي إلى كل السودانيين أن يكونوا صفاً واحداً، ونحن نشكرهم على وقفتهم القوية)، وأضاف: (القضية انتهت بالعفو ونسأل الله التوفيق للناس كلها)، ونشكر كل الأخوان على أرض الوطن على وقفتهم القوية، ونعلم مجاهداتهم وما قاموا به، والإصلاح ينشده الجميع)، وعن خطواته المستقبلية قال "ود إبراهيم" ل(المجهر): (نحن من الشعب والى الشعب، وسأعمل بين إخواني في السودان بكل تأكيد ليس في مجال "البيزنيس" أو أي مجال آخر، إنما في المجال الدعوي ومجال المجتمع). بعدها أدلى العميد "ود إبراهيم" بتصريحات مقتضبة للصحفيين في منصة أعدت على عجل، فقال: (عبركم ننقل شكرنا لكل أهلنا على امتداد أرض الوطن، ولكل إخواننا الذين ظلوا مرابطين لمدة (5) شهور يسألون عن أحوالنا ليل نهار، وشكر خاص لإخواننا في الإعلام الذين تناولوا هذه القضية تناولاً عادلاً، ونحن ليس لدينا في وقفتهم المشهودة هذه سوى أن نقول لهم جزاكم الله خيراً وهي وقفة متأصلة ومتجذرة في هذا الشعب، وعبركم ننقل تحياتنا وشكرنا الجزيل لإخواننا في القوات المسلحة على امتداد أرض الوطن وهم يدافعون ويذودون عن ترابه، ونحن ليس لدينا كثير حديث لنقوله، ولكن إن كان من شكر فنشير لإخواننا المجاهدين وفي "سائحون" ولجان أسر المعتقلين ولجان الوساطة ونحن لا نوفيهم حقهم فجزاهم الله خيراً ونقول لهم لقد وقفتم وقفة قوية كان نتاجها هذه اللحظة وهذا اللقاء الطيب، ونسأل الله تعالى للسودان الأمن والاستقرار والسلامة، ودعوني أيضاً أن أخصص شكرنا لمن قابل السيد رئيس الجمهورية من إخواننا في الطرق الصوفية بمختلف مناطقهم وخلاويهم ورجال الدين في هذا البلد المعطاء فهم لهم جهدهم بأن تسوى هذه القضية، وإن شاء الله ربنا يقدرنا أن نرد لهم جزءاً من الجميل الذي قدموه لنا). وفي السياق استنطقت (المجهر) بعضاً من الضباط المفرج عنهم حيث قال المقدم ركن "مصطفى ممتاز": (نشكر الشعب السوداني ومن ناصرنا، ولمن دعا لنا، والشعب السوداني يستحق أن نقدم له كل ما نملك أرواحنا وأموالنا ووقتنا، الشكر للشعب السوداني أولاً وأخيراً، ومن قبل ومن بعد لله سبحانه وتعالى). أما الرائد "حسن عبد الرحيم فضل" فقال نشكر الشعب السوداني كله على وقفته معنا، ودعائه لنا، ونقول إن أخطأنا فمن الشيطان، وإن أصبنا فمن الله عز وجل، ونسأله تعالى أن يتقبل)،وختم بالقول: (نحن ما أردنا إلا الإصلاح). وكان العقيد "فتح الرحيم عبدالله سليمان" قد تمسك بأن يعبر العميد "ود إبراهيم" بالحديث عن المجموعة، حيث قال: (نحن في هذه اللحظات يتحدث باسمنا ناطق واحد هو "ود إبراهيم" شخص واحد يتحدث باسمنا). من جهته قال ل(المجهر) عضو لجنة الوساطة "الدكتور" "أسامة علي توفيق" عن ملابسات إطلاق سراح المحكومين: (إن اللجنة التي تكونت من كبار رجال الدين وأساتذة الجامعات والخيرين من أبناء الشعب السوداني برئاسة البروفيسور "محمد سعيد الخليفة" وعضوية العديد من السودانيين، وبما أن المتهمين في المحاولة الانقلابية لهم تاريخ مشرف في القوات المسلحة وفي العمليات العسكرية، وأمضوا زهرة شبابهم في الدفاع عن الوطن، من هذا المنطلق كان عمل اللجنة في محاولتها رأب الصدع وحسم سوء الخلاف، فتم تكوين هيئة دفاع قوية عاونتنا فيها نقابة المحامين برئاسة الأستاذ "عمر عبد الله الشيخ"، واستمرت اللجنة في حالة انعقاد دائم ومفاوضات، وتدخل الأمين العام للحركة الاسلامية الشيخ "الزبير أحمد الحسن" لدعم نشاط هذه اللجنة فكان لذلك الأثر الكبير لنحصل اليوم على الإفراج بقرار جمهوري صدر أمس الأول تم بموجبه إسقاط كل العقوبات التي نطقت بها المحكمة العسكرية العامة واكتفى بعقوبة واحدة وهي عقوبة الإبعاد عن الخدمة، ونحن هنا نشكر السيد الرئيس المشير "عمر حسن البشير" على أبوته ورعايته لجميع أبناء الشعب السوداني ، ونعتقد أن هناك روحاً طيبة هي روح الحوار الوطني، وتوسيع قاعدته، ورأينا إطلاق سراح بعض الإخوة قبلاً، ونتمنى أن نرى في اليومين المقبلين إطلاق سراح كافة المعتقلين على ذمة القضية وغيرها، وذلك لتوسيع مظلة الحوار الوطني، وتحقيق أكبر قدر ممكن من المشاركة في العمل السياسي بالبلاد بهدف رفعة هذه البلاد). وفي ختام حديثه قال الدكتور "أسامة": (نزجي الشكر للسيد رئيس الجمهورية المشير "عمر البشير" والسيد وزير الدفاع وهيئة الأركان وإدارة الاستخبارات للمعاملة الجيدة التي تم بها حسم هذه القضية التي توجت اليوم بالإفراج عنهم، ونسأل الله أن يجزي إخواننا المفرج عنهم خير الجزاء لأنهم أمضوا معظم فترة خدمتهم في العمليات، فكلنا يعرف كسبهم). وعن بقية المتهمين أوضح أن عدد ضباط الأمن المعتقلين (7) ضباط، وضباط القوات المسلحة (10)، تمت تبرئة (2) بموجب التحقيق القضائي وأفرج عنهم أمس الأول، وخلال المحكمة تم الإفراج عن ضابط آخر، أما المدنيون المحبوسون على ذمة القضية أوضح أن عددهم يبلغ (6)، وختم قائلاً: (تعمل لجنة الوساطة في كل الاتجاهات وقريباً إن شاء الله سنسمع خبر إطلاق سراح المدنيين، وتنعقد الآن محاكمة ضباط جهاز الأمن، وإن شاء الله يشملهم قرار العفو. يذكر أن الاتهام وجه رسمياً لمدير جهاز الأمن السابق الفريق "صلاح عبد الله قوش "و (12) آخرين من العسكريين والسياسيين بالتخطيط والتدبير لمحاولة انقلابية، قضت بعدها محكمة عسكرية بأحكام متفاوتة بالسجن على العسكريين منهم، وكان الرئيس "عمر البشير" أعلن إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين تمهيداً لتهيئة الأجواء للحوار الوطني، لتستفيد لجنة قامت بالتوسط لإطلاق المحكومين من العسكريين والبالغ عددهم (10) من العسكريين شملهم العفو الرئاسي أخيراً وهم اللواء "عادل الطيب"، العميد "ود إبراهيم"، العميد "الشيخ عثمان الشيخ" العقيد "فتح الرحيم عبد الله سليمان"، والعقيد "محمد الزاكي"، والعقيد "الشيخ مصطفى الشيخ" والمقدم "محمود صالح"، والمقدم ركن "مصطفى ممتاز"، بالإضافة للرائد "حسن عبد الرحيم" والمساعد "عمر عبد الفتاح".