تحدثنا بالأمس عن الأستاذ "أمين حسن عمر" وصعوبة استمراره في رئاسة تحرير صحيفة (الأنباء) التي صدرت في العام 1997م، بعد دمج صحيفتي (الإنقاذ) و(السودان الحديث) ومجلة (سودانا). وكانت (الأنباء) بالنسبة للأستاذ "أمين حسن عمر" حلماً لتأسيس مؤسسة إعلامية ضخمة، ولكنه اصطدم بواقع لم يضع له حساباً وهو الضرب تحت الحزام، الذي لا يدري من أين يأتيه، وكان يأمل في انفراج الحال واستمرار الصحيفة بالإمكانيات الموجودة، ولكن استعصى عليه الحل رغم أنه طبع في العدد الأول من الصحيفة (60) ألف نسخة، وفي أكثر من عشرين صفحة كأول صحيفة سودانية تصدر في أكثر من (12) صفحة وتطبع في عددها الأول (60) ألف نسخة، وكان يأمل أن تنهض الصحافة السودانية من كبوتها وتعود لها عافيتها، ولكن يبدو أن صراع الأجنحة الذي بدأ وقتها كان له تأثير سلبي على الصحيفة، فبدلاً عن دعم الصحيفة بالمال اللازم طالما هي تتحدث بلسان الحكومة، رأى الجناح الآخر أن تصدر صحيفة أخرى نكاية في الصحيفة التي تحسب للطرف الذي يعتقد أنه مهيمن على مفاصل الدولة، لذلك اختير الأستاذ "فتح الرحمن النحاس" رئيساً لتحرير صحيفة (الجمهورية) التي وقف إلى جانبها النائب الأول لرئيس الجمهورية "الزبير محمد صالح" فأغدق عليها بالمال اللازم، بينما بدأت صحيفة (الأنباء) تترنح بسبب شح المال اللازم. عاد الأستاذ "أمين حسن عمر" كما قلنا بالأمس رئيساً لمجلس الإدارة ورئيساً لتحرير صحيفة (الأنباء)، فطعم طاقمها بعدد من المحررين المميزين، منهم الزميل "محمد يوسف عثمان" أحد المثقفين، ولكنه قليل الإنتاج، و"فضل الكريم سلامة" وعدد آخر من المحررين، ولكن ماذا ينفع تطعيم الصحيفة بمحررين ونسبة التوزيع متدنية؟! وحاول الأستاذ "أمين" أن يظل نفس (الأنباء) موجوداً، لكن المؤامرات الخفية لم تنته، وظل يقاوم ويقاوم ولكن في النهاية أحس أن المقاومة لن تجدي، وقد أُحبط بنسبة التوزيع التي تراجعت حتى وصلت ثمانية آلاف نسخة والموزع منها قد لا تصل نسبته (50%)، لذلك قال للمدير العام المهندس "السعيد عثمان محجوب": (هذا فراق بيني وبينكم)، وبدأ الأستاذ "أمين" في كتابة رسالة الدكتوراه وابتعد تماماً عن التحرير، فأسندت الوظيفة للأستاذ "علي عبد الكريم" كرئيس للتحرير بالإنابة، بينما ذهب الأستاذ "أمين" إلى منزله، فأحس الجهاز التنفيذي بغضب الأستاذ "أمين" واعتكافه بمنزله، فأرسل له الأستاذ "مهدي إبراهيم" الذي زاره بالمنزل عدة مرات وحاول إثناءه عن موقفه ولكنه تمسك، وأخيراً أقنعه الأستاذ "مهدي إبراهيم" بتولي منصب المدير العام لهيئة الإذاعة والتلفزيون بعد أن أخذ ضمانات بتوفير الإمكانيات كافة، له ولها، فيما استمر الأستاذ "علي عبد الكريم" رئيساً للتحرير بالإنابة لصحيفة (الأنباء).. وظل حال الصحيفة كما هو، متراجعاً يوماً بعد يوم، وكتب الأستاذ "أمين" مذكرة للجهات المسؤولة مطالباً بتصفية الصحيفة، إذ إنها لا تلبي رغبة وطموح القراء وحتى الدولة نفسها.. وما يحمد للأستاذ "أمين" مطالبته بتوفير مرتبات العاملين كافة، لذا لم يواجه المحررون بضائقة مالية كما يحدث في معظم الصحف، وكان الصحفيون يحصلون على مرتباتهم شهرياً. أذكر قبل إعلان التصفية كنت في زيارة إلى الدوحة لتغطية أحد المؤتمرات، وعندما عدت وجدت الصحيفة قد تمت تصفيتها، وأسندت رئاسة تحريرها للأستاذ "عبد المحمود نور الدائم الكرنكي"، الذي كان أول لقاء لي به بجمهورية مصر العربية، حينما جاء مشاركاً في أسبوع السودان الثقافي الذي أقيم عام 1980م. نواصل