حزنت كثيراً وأنا أتفحص عدداً من الأسماء التي تم إنزالها للمعاش من الذين بلغوا هذه السن في الكشوفات التي صدرت ولم يبلغوها مؤخراً حزنت وأنا أراجع تلك الأسماء التي ما زالت في قمة عطائها وأحيلت مجبرة على التقاعد، لا ندري لماذا تصرف الدولة على منسوبيها في الشرطة أو القوات المسلحة، وتبعثهم في دورات تأهيلية وقبل أن تستفيد من الشخص أو من الخبرات التي نالها داخلياً وخارجياً تدفع به إلى خارج حلبة العمل ليس في القوات المسلحة أو الشرطة فحسب، بل حتى في مجال التعليم والطب والهندسة وكثير من المجالات التي نال الشخص فيها خبرات، وأصبحت تلك الخبرات تراكمية وليس من السهل الحصول عليها بين يوم وليلة، تلك سنين سهر فيها المهندس أو الطبيب أو المعلم أو الضابط بالقوات المسلحة أو الشرطة وأخيراً يحال للتقاعد لتبدأ الماكينة من جديد، ويبدأ التدريب وحينما يصل الضابط أو المهندس أو الطبيب لنفس المكان التي وصلها سلفه يبدأ مسلسل الإحالة للمعاش، ويستمر المسلسل ونفقد الخبرات يوماً بعد يوم فيما تستفيد من تلك الخبرات جهات أخرى كالقطاع الخاص أو دول الاغتراب، فنذكر أن جهاز أمن الدولة الذي حُلَّ عقب انتفاضة رجب أبريل 1985م، وحينما حل الجهاز وتم تسريح أعداد مهولة من الضباط وحتى صف الضباط آنذاك وجدت دول كثيرة مجاورة ضالتها في هؤلاء الضباط فتخطفتهم وكانوا عوناً لها، وحتى اللواء "عمر محمد الطيب" نائب رئيس "نميري" استفادت منه المملكة العربية السعودية من خبرته لفترة طويلة من الزمن، كما استفادت دولة قطر الشقيقة من عدد كبير من ضباط جهاز الأمن. أما المعلمون فحدث ولا حرج إن لم يكونوا بدول الجوار ففي القطاع الخاص، فالتعليم الخاص الذي انفتح على مصراعيه ذهبت له كل الكوادر المميزة؛ مما أضعف المدارس الحكومية وساعد في انتشار التعليم الخاص وأصبح التعليم الخاص أشبه بالسوبر ماركت في الأحياء الراقية أو المناطق الحديثة. إن السن التي تتعامل معها الدولة باعتبارها السن التي ينبغي أن تخلد للراحة بعد فترة من العمل الشاق هنا وهناك، لا تدري الدولة أن هذه السن التي يترجل فيها الشخص هي سن العطاء المسئول، هذه السن التي دفعت الدولة أموالاً طائلة لتأهيل الشخص والاستفادة من طاقته أو المساهمة في تأهيل وتدريب أجيال جديدة تكون هي السن التي ينزل الشخص فيها للمعاش، لا ندري من الذي حدد لتكون تلك السن أو أقل منها سن التوقف عن العطاء؟. في وقت مضى كان الشخص حينما يبلغ الأربعين عاماً أو خمسين في خدمة متواصلة فعلاً يحتاج إلى الترجل ولكن الآن عندما يحصل الشخص على وظيفة يكون قارب لبلوغ تلك السن التي يتوقف فيها العطاء.. ينبغي أن تراجع الدولة القوانين حتى لا تفقد جهود أشخاص ما زالوا في قمة العطاء. أما القوات المسلحة والشرطة وغيرها من المهن ينبغي أن لا يحال الشخص فيها للتقاعد إلا إذا كان قد عجز تماماً عن العطاء.