تقرير- محمد إبراهيم الحاج لا يبدو أن وصول أزمة تصدير نفط دولة الجنوب عبر موانئ السودان إلى ذروتها خلال الفترة السابقة سيكون ملفه حبيساً فقط بين الدولتين، لأن ثمة من يراقب وينشط بفعالية لترك بصمته أو لاقتراح حلول لا تخلو من شبهة (الاستفادة القصوى) من الصراع بين شطري السودان.. دول وجهات أجنبية شديدة الالتصاق بحواشي الملف، تسعى حثيثاً أن تبتكر وسائل للحل الناجع.. بعضها سيكون موضوعياً وحقيقياً، والآخر حالماً وغير واقعي. منذ إعلان الرئيس "عمر البشير" إغلاق الأنبوب الناقل لبترول الجنوب، مؤكداً في خطاب أمام حشد جماهيري أن (القرار الخاص بإغلاق أنبوب نفط الجنوب، جاء بعد دراسة متأنية لكل تبعاته وآثاره المتوقعة)، لم تكف الجهات اللصيقة بالملف الأمني والاقتصادي الموزع على طاولات التفاوض دراسة وتمحيصاً وتصريحات متفائلة وأخرى متشائمة، لم تكف عن دق (الإسفين) الذي انتصب بين السودان والدولة الوليدة. أمس نقلت (المجهر) خبر تأكيد دولة (يوغندا) اتفاق ثلاثة رؤساء دول أفريقية على إنهاء اعتماد دولة جنوب السودان على السودان في تصدير نفطها، وقول وزير الخارجية اليوغندي "سام كوتيسا" إن رؤساء كل من (يوغندا)، (كينيا) و(راوندا) اتفقوا على بناء أنبوب نفطي ينهي اعتماد (جوبا) على (الخرطوم) في تصدير نفطها عبر ميناء بورتسودان. وأوردت وكالة (الأسشيوتد برس) الأمريكية أن الرؤساء الثلاثة اجتمعوا أمس الأول في العاصمة اليوغندية (كمبالا) وقرروا بناء أنبوبين نفطيين يمتد أحدهما من جنوب السودان إلى مدينة (لامو) الكينية ويمتد الآخر من (رواندا) إلى ميناء (ممبسا) الكيني. { أحلام غير واقعية متن الخبر يحشد في الذهن حزمة أسئلة مهمة حول ملف تصدير نفط الجنوب عبر أراضي الشمال، ويعيد إحداثياته المبهمة إلى الواجهة مرة أخرى، وعن تطور العلاقات الاقتصادية بين الشمال والجنوب أو توقفها عند أزمة فتح أنابيب الشمال أمام تدفق نفط الجنوب، تلك الأزمة التي زادت من تأزم الموقف بين الجانبين. الخبير الاقتصادي د. "عادل عبد العزيز" يقول في حديثه ل(المجهر): (برزت خلال العامين الأخيرين كثير من الخطط لتصدير النفط المنتج في جنوب السودان عبر طرق وموانئ تصدير خلاف خط الأنابيب الممتد من الحقول في جنوب السودان إلى ميناء بورتسودان)، مضيفاً إن بناء أي خط أنابيب يعتمد بالدرجة الأولى على الجدوى الاقتصادية والتكلفة، وإنتاج جنوب السودان الآن من النفط حوالي (350) ألف برميل يومياً، وخلال عامين وبعمليات تطوير مكثفة لن يتجاوز (500) ألف برميل في اليوم وهذه الكمية لا يمكن أن يتم التخطيط لتصديرها عبر خط جديد إلى ميناء (ممبسا) في كينيا أو عبر خط إلى جيبوتي عبر أثيوبيا، لأن تكلفة إنشاء أيٍّ من هذين الخطين لا تتناسب إطلاقاً مع الكمية المنتجة في الحقول. وأوضح د. "عبد العزيز" أن أي خط من الجنوب إلى (ممبسا) لن يكون مجدياً اقتصادياً إلا إذا بلغ إنتاج جنوب السودان (2) مليون برميل في اليوم، وهذا ما لا يمكن توفيره إطلاقاً إلا بدخول استثمارات جديدة واكتشاف حقول جديدة، وهو الأمر الذي قد يستغرق عشر سنوات أو يزيد. وقطع الخبير الاقتصادي بأنه لا سبيل لبترول الجنوب للوصول إلى الأسواق العالمية إلا عبر موانئ التصدير في السودان. { فكرة قديمة.. حركتها إيادٍ جديدة د. "حسن ماشا" عميد كلية الاقتصاد بجامعة القرآن الكريم أوضح في حديثه ل(المجهر) أمس، أن الفكرة قديمة وأجريت لها دراسات جدوى وُجِهت بعقبات وتكاليف عالية، مشيراً إلى أن الدول التي تسعى لإنجاز هذا الخط تسعى إلى عدم وجود علاقة بين الشمال والجنوب، وتعمل على فصلها تماماً خاصة مع الوجود الإسرائيلي ب(يوغندا) التي يعتقدون أنها الأرض الموعودة قبل فلسطين، وأكد د. "ماشا" أنه ليس من مصلحتنا قطع العلاقة بين الشمال والجنوب لأن لدينا علاقات اقتصادية مشتركة، لافتاً إلى أن السودان يتمتع بموقع إستراتيجي مميز، وبعض الجهات تسعى إلى تجريده من هذا التميز، واستطاعوا النفاذ إلى مناطق البحيرات التي بالقطع ستستفيد كثيراً من وجود أنابيب ومصافي تصدير البترول عبرها، مشيراً إلى أن دولة الجنوب ما تزال دولة غير ناضجة وتوجد دول عدة تحركها، والسبب الأساسي الذي دعا الحكومة إلى إيقاف تصدير نفط الجنوب هو الجانب الأمني، عاداً الأمن أهم من الاقتصاد. بينما أشار د. "عادل" إلى أن تسريب خبر إنشاء خط لتصدير نفط الجنوب عبر ميناء (ممبسا) الكيني لا يعدو سوى أن يكون محاولة للضغط على الحكومة السودانية للإيحاء بأن هناك احتمالية لوجود منافذ أخرى لتصدير نفط الجنوب للأسواق العالمية، ولكن على أرض الواقع لا توجد إمكانية لذلك، بالإضافة إلى أن الدول التي ركزت على بناء الخط لا تملك أي موارد مالية تمكنها من القيام ببناء الخط، وستعتمد على التمويل الخارجي الذي لن يدخل في أي مشروعات لا تتمتع بالجدوى الاقتصادية. { تمويل أجنبي ووفورات خارجية التقديرات المالية الأولية قد تشير حسب د. "عبد العزيز" إلى استحالة إنشاء هذا الخط لتكلفته العالية جداً، وبحسابات أن دولة الجنوب أو الدول الأفريقية الأخرى غير قادرة على تحمل تبعات التكاليف العالية، وهو الأمر الذي دعا د. "ماشا" إلى القول إن تكلفة إنشاء الخط المقترح لن يدفعها الجنوب ولن تدفعها دول (كينيا) و(يوغندا) و(رواندا) لأن تلك الدول لا تملك الإمكانات المالية، ولكن ستدفعها الدول ذات المآرب السياسية التي قد تضطر إلى دفع مئات المليارات من الدولارات حتى تستطيع السيطرة اقتصادياً، لافتاً إلى أن الدول (ذات الأجندة السياسية) تسعى إلى قطع أية علاقات اقتصادية بين (جوبا) و(الخرطوم) وتسعى إلى الانفراد بالجنوب الذى يحتوي على سلع إستراتيجية، وهو غني جداً بإنسانه وأراضيه البكر. وأشار عميد كلية الاقتصاد إلى أن (كينيا) و(يوغندا) تسعيان إلى الاستفادة من بترول الجنوب ومن الخط الناقل المزمع إنشاؤه تحركهما أيادٍ أجنبية، وإذا كانت الحكومة في الجنوب حكومة راشدة فهي سترفض هذا الأمر تماماً، لأن تكلفته عالية جداً، بالإضافة إلى أن تلك المناطق تعاني من صراعات قبلية لا تتوقف، ومن الممكن أن يتم تفجيره في أي وقت حال اكتمل. وألمح د. "ماشا" إلى أن الدول الأجنبية من الممكن أن تنشىء الخط وتضع الجنوب تحت طائلة الديون المتراكمة، وهو الأمر الذي سيقود دولة الجنوب إلى رهن قرارها، مشيراً إلى أن الخط المقترح قد يفشل، وتبقى الديون على الجنوب التي قد تتراكم وتتزايد أجيالاً وراء أجيال. وفي السياق، قللت الحكومة السودانية على لسان وزارة الخارجية من مخرجات الاجتماع الثلاثي لدول (يوغندا، كينيا وروندا) الذي سربته وكالات الأنباء الأجنبية أول أمس حول تبنيها مقترحاً بإنشاء خطوط أنابيب بترول بديلة لنقل نفط دولة جنوب السودان بدلاً عن السودان. وقال المتحدث الرسمي باسم الوزارة السفير "أبو بكر الصديق": (نحن لا نتفق أن هذا الاجتماع كان ضد السودان أو حتى ما تم الاتفاق عليه خلال هذا الاجتماع هو بالضرورة سيلحق ضرراً بالسودان). وتابع: (نحن لسنا ضد التنمية أو جهود تحقيق التكامل الإقليمي بين هذه الدول وكل دول شرق أفريقيا). وأوضح أن ما صدر عن الاجتماع كان يتحدث عن إنشاء أنابيب للبترول عبر الموانئ الكينية وأيضاً نقل المنتجات البترولية عبر الموانئ الكينية لكل من (يوغندا) و(رواندا)، وما نشرته الصحافة اليوغندية على لسان وزير الخارجية اليوغندية لم ترد فيه إشارة إلى أن الخطين المقترحين قصد منهما أن يكونا بديلاً لخط أنابيب السودان. ونبه في ذات الوقت إلى أن (جوبا) لم تكن مشاركة في الاجتماع، مشيراً إلى أن من حقها أن تفكر وتستكشف نفطها أو تنقله، لكن هذا بالطبع يعتمد على الجدوى الاقتصادية لخط الأنابيب المقترح والمدى الزمني، لكنه أشار إلى أنه ووفقاً للمعطيات الراهنة لا بديل حالي ل(جوبا) لنقل النفط إلا عبر الأنابيب السودانية.