الحرب أولها كلام .. هذا على الأقل ما يحدث قببل مباريات المصارعة الحرة .. فأولئك الثيران الهائجون يشرعون في تحدي بعضهم البعض بعيون تشتاط غضبا، ويحرصون على الإساءة والتجريح والاستفزاز تجاه غرمائهم، ثم يتم تحديد موعد المنازلة المتفجرة .. وتصبح حلبة المصارعة هي المحك الذي يحدد من الجعجاع، ومن البطل ! السياسة عندنا ليست استثناء . فبالأمس تابع السودانيون الحديث الهائج لوالي القضارف كرم الله عباس، والذي شن هجوما كاسحا على المركز .. بدءا ممن أسماهم "بعض القيادات النافذة في السلطة حاليا، والتي جاءت للحكم مشعثة مغبرة وفقيرة، ولكنها تجبرت وتكبرت عندما ذاقت رغد العيش وتمتعت ببريق السلطة وجبروتها"، ليصل هياجه للقمة وهو يدعو رئيس الجمهورية عمر البشير ونائبيه إلى التنحي "إذا لم يستطيعوا قيادة البلاد في هذه المرحلة الحرجة، لأن المؤتمر الوطني ولّاد وحواء ولادة" . طبعا هذه ليست المرة الأولى التي يجد المركز نفسه في مواجهة الولاة، فعبد الحميد موسى كاشا .. لملم أوراقه .. وغادر مكتبه محتجا على نقله .. دون أن يحمل السلاح إكراما لعلاقات (الخندق الواحد)، ومالك عقار، تجاسر على المركز إلى درجة حمل السلاح، ودخل في صراع دموي مع الحكومة وضد الوطن كله، وسار على نهجه عبد العزيز الحلو، مضحيا بصداقاته ومنصبه .. ليصبح في مواجهة إخوة الأمس . طبعا الناس تأتلف وتختلف، وكل ذلك يمكن (فهمه) من خلال الأمثلة السابقة، لكن ما لا يمكن هضمه، هو التناقض المزعج، بين أبناء البويضة الواحدة، كالذي حدث أول أمس بشأن الموقف من قرار مجلس الأمن بشأن التلويح بعقوبات ضد السودان وجنوب السودان . فالأخبار نقلت لنا أمس بأن البروف الأمين دفع الله، الأمين العام للمجلس الأعلى للحكم اللا مركزي، قال حسب الانتباهة إن " قرار مجلس الأمن الأخيرلا يساوي ثمن الحبر الذي كتب به، وسيذهب إلى مزبلة التاريخ، وأن عليهم أن (يبلوهو ويشربوا مويتو)" ! إلى هنا والكلام (ماشي)، لكن الأخبار اللاحقة، والتي تم بثها في نفس اليوم، كشفت الفجوة المريعة في أحاديث المتنفذين، حيث جاء إعلان وزارة الخارجية ليصب ماء باردا على الكلام الهائج للبروف، والذي يرأس أيضا لجنة الإسناد الاتحادية لولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، حيث أشار الإعلان بلسان عربي فصيح إلى ترحيب السودان بقرار مجلس الأمن !! لا تعليق، لكن ما أظنه مهما للحفاظ على باقي السودان، أن يتم تفادي تجاذبات المركز والولايات، وتلك مهمة الحكومة والجهاز التشريعي، وأن يتم ضبط القنوات التي تأتي منها المواقف الرسمية، وتلك أيضا مهمة الحكومة وحزب المؤتمر الوطني . عالجوا الأمر .. قبل أن يتحول المسرح لعروض لا نهائية من الكوميديا السوداء ! من البريد : أسعدتني مشاركات قراء العمود في موقع (الفيس بوك) الخاص بصحيفة المجهر . فشكرا للأصدقاء تاج حماد، محمد الأواب، عكرمة المرضي، أبو الياء ود دفع الله، علاء أحمد، والجميل (أحمد الناظر)، والشكر موصول لصديقنا الكدراوي : مبارك ود الفكي، وللأصدقاء : عمر فؤاد، ناتالي عطا، منصور محمد، كمال أحمد، أنس الجهني، أحمد ميسرة محمد سعد عصب، خالد سليم فضل، مصباح ميرغني، وصديقة العمود ميادة عز الدين .