معتصم الحارث الضوّي [email protected] (1) ترفعُ قدر الخائب، وتُخفضُ من شأن عالي الهمة، ويتخذها معظم الناس مقياسا للنجاح، ومعيارا لتقويم الآخرين. الفرقُ بينها وبين ما يرسمه الأطفال الأبرياء لا يتجلّى إلا في دقة التصميم، وجودة الحرفة، ونوعية الورق المستخدم، ولكن، ورغم ذلك تبقى تلك الأوراق الملونة الفيصل والفاروق. يا إلهي! ما أتفه البشرية عندما تصبحُ أوراقُ النقد كل شيء! (2) ميثاق الفجر الجديد، كغيره من المشاريع السياسية، يحمل أفكارا نيّرة بلا شك، وأخرى أقل نضجا تستدعي تطويرا، وثالثة في منتهى السخف، وهذا كله طبيعي ويتسق مع طبيعة الفكر البشري. أما غير الطبيعي، فهو أن يهب علينا أحد أقطاب نظام "الإتلاف" ليعلن حربا إلهية مزعومة على الجهات التي صاغت الميثاق مستعينا ببعض الأئمة والشيوخ، ويصدر أحكاما تهدد بالويل والثبور وعظائم الأمور. أيا سدنة الإتلاف، واصلوا سعيكم الحثيث لقبر نظامكم المقبور إلى دركه المستحق.. في مزبلة التاريخ! (3) احتفلت فرنسا السنة الماضية بالذكرى المائة والخمسين لصدور رواية "البؤساء" الخالدة لفيكتور هوغو (صدرت في 1862). من المثير للدهشة أن أساطين الأدب في فرنسا حينذاك، فلوبير وبودلير ولامارتين، صدحوا بعدائها. هل كانت غيرة الكُتّاب غير المحمودة هي السبب، أم سوء التقدير، أم تعطّل مؤقت في حاسة التذوق الإبداعي؟ أيّا كانت الأسباب، فنيت أجسامهم وبقي الإبداع الفذ الذي يحمل نبض الإنسانية. (4) إغلاق نظام "الإتلاف" لمركزيّ الدراسات السودانية والخاتم عدلان، والضربات المتكررة لمركز محمود محمد طه دلالة إضافية على أن الاستبداد والفكر لا يجتمعان في جملة مفيدة. إذن، لتستقيم الجملة لغويا، لا بد من حذف "الاستبداد" أو "الفكر"، والخيار متروك.. لضمائركم اللغوية. (5) من عيوب العقل الجمعي السوداني/العربي/الإفريقي/العالمثالثي غياب الثقافة الصحيحة والصحية للاختلاف؛ مَنْ هو معنا هو المُبجّل/القديس/ الطاهر/ الأغرّ، ومن يعادينا هو الخائن/الساقط/السافل/ العميل.. إلخ. العلاج بسيط؛ تجذير ثقافة احترام الآخر انطلاقا من الأسرة الصغيرة، وبصرف النظر عن الاختلاف في المبادئ والمفاهيم، والإبقاء –دائما- على الحد الأدنى من الاحترام الشخصي المتبادل تحلّيا بروح المسئولية. ألا.. هل من يسمع النداء؟! (6) توفي توماس جيفرسون، أحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدةالأمريكية في الرابع من يوليو 1826، والذي صادف الذكرى الخمسين لإعلان الاستقلال. محظيته سالي همِنغز (Sally Hemings) ظلت بجانبه إلى آخر لحظة، رغم أنه منحها صكا بالتحرير من العبودية أثناء فترة عمله في باريس قُبيل اندلاع الثورة الفرنسية سنة 1789. بعبارة أخرى، ظلت بجانبه عقودا لا تفارقه، رغم أنه كان بوسعها التحرك كيفما وأينما شاءت. لماذا بقيت؟! هل السبب هو الحب فقط، أم الذرية التي أنجبتها له فحسب؟! هي الحرية. هي القدرة التي لا تحدها حدود على اتخاذ القرار دون قيد أو ضغط. انتصر الحب، إذن، عندما تحققت حرية الإرادة، وهكذا ستظل المعادلة محسومة: الحرية قبل الحب دائما.