بعد مرور عام كامل على تنفيذ انفصال جنوب البلاد، بقي (الحال في حالو)؛ سواء في جوبا أو في الخرطوم.. قالوا إن انفصال الجنوب سيوقف حرباً استمرت لأكثر من (50) عاماً عدا فترات متقطعة.. قالوا إن الانفصال، وقد تم بطريقة حضارية وبوفاءٍ فريد لا تعرفه السياسة الدولية، سيكسب الخرطوم احتراماً دولياً وسيجعل ذلك واشنطن تطبع علاقاتها مع الخرطوم، وتلغي العقوبات الاقتصادية، وترفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.. قالوا إن الانفصال سيكفينا شرّ ياسر عرمان، وعبد العزيز الحلو، ومالك عقار.. قالوا.. وقالوا.. لكن حصدت الخرطوم عكس ذلك تماماً، والمسألة لا تحتاج لتفصيل أو إبانة.. من جهة ثانية، زعمت الحركة الشعبية وهي تخاطب الجنوبيين أن الدولة الجديدة ستكون لهم جنة الله في الأرض.. لا أمن ولا سلام ولا بحبوحة اقتصادية وها هو رياك مشار نائب رئيس دولة الجنوب يبكي اليوم قائلاً إنه لا فائدة من الاقتتال!!.. ولم يربط الرجل ربطاً مباشراً بين تراجع علاقات جوبابالخرطوم وبين خيبات الأمل العظيمة الناتجة عن عدم تحقيق تطلعات شعبه عزةً بالأثم.. في نوفمبر الماضي بثت قناة الجزيرة برنامجاً وثائقياً أكد أن الدولة الوليدة تفتقر إلى مقومات الحياة الأساسية، وأن فطامها من أمها جاء دون تجهيزها لأطعمة بديلة.. هذا ما قاله جوزيف لاقو ل(الجزيرة)، وهو يتجول في أسواق جنوبية تعدّ كبرى، وهي تشبه الأسواق الطرفية في ضواحي الخرطوم، وسأل لاقو بائعة عن معروضاتها التي استوردتها من دولة مجاورة هي يوغندا، فيردد حائراً: (مافي شي من هنا كلو من يوغندا؟).. منذ فترة أدخلت يوغندا (200) شاحنة محملة بمواد غذائية وخضار منتهية الصلاحية! فالجنوب بالنسبة لها حديقة خلفية تلقي إليه بمخلفاتها ونفاياتها.. رئيس تحرير صحيفة (سيتزن) شنّ هجوماً شاملاً على الدولة ووزرائها المفسدين، مسترجعاً طريقة اعتقاله بواسطة (16) مسلحاً بسبب كتاباته تلك.. العقلاء في جوبا يقولون متباكين إن الانفصال حدّ وقلل من مساحة الحرية وحقوق المواطنة لتنحصر فقط في (250) ألف ميل، مساحة الدولة الجديدة.. الانفصال قلل من حجم المشاركة والاستيعاب السياسي، حيث تستعر المنافسة حول الوظيفة السياسية والنزاع المتداخل مع البعد القبلي ليشكل بيئة مواتية للفوضى وعدم الاستقرار.. الانفصال قلل فرص أبناء الجنوب في الخدمة المدنية بنسبة (22-30%) في المركز والولايات الشمالية، مما ولّد ضغطاً تنوء بحمله الدولة الوليدة.. الانفصال سلب الجنوب أصالة حق التمتع بالموانئ والإطلالة على البحر الأحمر ذي الأهمية الإستراتيجية، فالدولة الوليدة اليوم دولة مغلقة وهي نقطة ضعف كبيرة ودائمة. إن الأمر الذي جعل الانفصال واقعاً أليماً في الشمال والجنوب هو تلك العقلية التي أدارت بها الحركة الشعبية رؤيتها السياسية، إذ كان واضحاً منذ البداية أن الحركة تريد اختطاف السودان بمكوناته الثقافية في إطار ما تسميه بمشروع السودان الجديد، وعندما استحال الأمر انكفأت على نفسها واتخذت من الانفصال طريقاً باتجاه واحد، ووجد الانفصال دعماً كبيراً غير محدود من الولاياتالمتحدة والكيان الإسرائيلي. آخر الكلام: قبيل تنفيذ حكم الانفصال بسويعات ظنت حكومتنا أنها بصدد تسديد هدف محكم في مرمى حكومة جوبا.. اعتراف موثق و(بصمة بالعشرة) على قيام دولة جديدة مستقلة في جنوب السودان وليس هذا بيت القصيد.. رئاسة الجمهورية حشدت القيادات الصحفية والقنوات الفضائية لتعلن على لسان وزير رئاسة الجمهورية الفريق أول ركن بكري حسن صالح اعترافاً موثقاً ومشهوداً.. الاعتراف حدد حدود الدولة المعترف بها بحدود 1956م وهي الحدود الفاصلة بين الدولتين.. بمعنى أن كل الأراضي شمال هذه الحدود هي أراضٍ شمالية بما في ذلك أبيي.. كل ذلك لم يجد فتيلاً، بل إن جوبا اخترعت خريطة جديدة مستندة إلى قرار مجلس الأمن (2046).. واتفرج يا سلام!!