يبدو أن شمعدان الأمل الذي أهداه الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز لرئيس دولة الجنوب سلفا كير ميارديت الذي سجّل زيارة لهم وصفها بالتاريخية الإثنين الماضي يبدو أنه تتويج لمسار العلاقات بين الطرفين والتي بدأت في ستينيات القرن الماضي، في عهد رئيسة الوزراء جولدا مائير التي التقت جوزيف لاقو مفجر ثورة الأنانيا2 لى إثر مكاتباته لإسرائيل التي طالب فيها بالدعم المادي والعسكري لإنجاح حربه التي يقودها ضد الشمال، وبحسب مذكرات لاقو فإن مائير سألته عن ماهية المقابل الذي ستجنيه بلادها من ذلك الدعم، فكان رده أن حربه للشمال ستمنع جيشه من الانضمام للجيوش العربية التي كانت تتهيأ لخوض الحرب مع دولتها. ورغم الصدى الواسع الذي لاقته زيارة سلفا إلا أن الرباط السياسي والدبلوماسي الوثيق الذي صاحب علاقة الطرفين منذ انفصال الجنوب أبعد طابع الغرابة عن الزيارة، لاسيما وأن رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو كان بصدد زيارة عدد من الدول الإفريقية منها الجنوب، والتي أرجئت إلى الربع الأول من العام القادم، وسابق لذلك فإن إسرائيل كانت من أوائل الدول التي اعترفت بالجنوب، إذ جاء اعترافها عقب سويعات قليلة من الإعلان الرسمي للانفصال في يوليو الماضي، وقبل أن يكتمل شهر على الانفصال أعلنت إسرائيل عن إقامة علاقات دبلوماسية مع جوبا، واتبعته ببيان صادر عن وزير خارجيتها شرح فيه الأسس التي ستبنى عليها العلاقات بين البلدين بما فيها تبادل السفراء، كما أعلن الجنوب عن نفس الخطوة، ولم تُضعْ إسرائيل الوقت فسارعت إلى الاستفادة من علاقاتها بجوبا إذ طالبتها بعدم الاعتراف بدولة فلسطين في الأممالمتحدة، ولم تتوانَ إسرائيل في تذكير الجنوب بالدعم الذي وفّرته له بلاده في الكثير من المواقف، قديمها أيام الحرب وجديدها بإرسال الخبراء في شتى المجالات لبناء دولتهم الحديثة. ولما كانت علاقة الطرفين متوقعة عقب الانفصال أشار رئيس الجمهورية عمر البشير إلى أن الجنوب حر في علاقاته الدولية على أن لا يضار السودان، كما قال مساعد الرئيس د.نافع علي نافع إن العديد من الفواتير تنتظر الجنوب لسداد مستحقاتها، والمتمثلة في مشوار 22 عاماً من الدعم المتواصل من دول الغرب والجوار طوال سني الحرب بين الشمال والجنوب، وعلى الصعيد نفسه فإن تقوية أواصر العلاقات بين الجنوب وإسرائيل ليس مصدر قلق للسودان وحده بل للدول العربية لا سيما مصر التي سعت باكرًا لتوثيق علاقتها بالجنوب، عبر التمثيل الدبلوماسي وإنشاء الجامعات على أرضه، فضلاً عن رفد مواطنيه بالمنح المجانية لبعثات التعليم، وإنشاء محطات الكهرباء، كما أن مصر ثاني دولة اعترفت بالجنوب، وفي هذا الشأن فإنها معنية بملف المياه الذي يعد أحد أهم إستراتيجيات أمنها القومي، فمصر تسعى لإحياء مشروع قناة جونقلي الذي يوفر إنشاءها أكثر من مليار متر مكعب من المياه التي تضيع هدرًا بسبب تبخُّر مياه النيل هناك خاصة، وفي هذا الخصوص يبرز القلق السوداني المصري من انضمام الجنوب لتكتل دول حوض النيل الذي يتبنى نهجاً جديدًا في تقسيم مياه النيل لم تجزه الدولتان بعد، في ظل علاقة إسرائيل المتميزة مع دول الحوض خاصة يوغندا وكينيا، وقد قام رئيس الأولى ورئيس وزراء الثانية بزيارة إسرائيل مؤخراً على نحو ما يمكن وصفه بتطويق السودان ومصر، كما أن السودان الذي تسعى دول الغرب وإسرائيل إلى تقسيمه، يعتبر أحد المهددات التي تواجه السودان ومصر، باعتبار أن الأول يشكل العمق الإستراتيجي لها، وفي حديثه لقناة الجزيرة بالأمس الأول أبدى الخبير في الشأن السوداني هاني رسلان مخاوفه من مخطط تقسيم بقية السودان، وذهب بمخاوفه إلى أن الدلالات من زيارة سلفا لإسرائيل تنسحب على الدول العربية جميعاً، مشيرًا إلى أن الجامعة العربية وبعد أن عقدت مؤتمرها الأول حول الاستثمار في الجنوب، تقرر أن تعقد مؤتمرها الثاني لذات الغرض في جوبا ولكن ذلك لم يحدث.