هرب صاحبنا المنديل إلى أرشيف التاريخ وهو يمسح دمعاته وينتحب، لو كان الأمر بيده لرفع دعوى في محكمة الأحبة الدولية ضد مناديل الورق، لأن هذه الأخيرة سحبت البريق من تحت خيوطه وجعلته مجرد ذكرى منطفئة. في الماضي بالمجتمعات المتقدمة كان المنديل الأبيض (اللينوه) من مظاهر الأناقة الفارطة، هذه الصورة لم يعد لها وجود سوى في تفاصيل الأفلام من فئة الأبيض والأسود بالسينما المصرية، وفي الخطاب الغنائي العربي من البحر إلى البحر. هناك كم هائل من الأغنيات عن المنديل منها، أغنية (منديل الحلو) للفنان المصري عبد العزيز محمود و(اشر لي بالمنديل) للسعودي فوزي محسون. ولدينا في السودان أغنيات المناديل بالكوم ومنها ( تلقى الحبيبة بتشتغل منديل حرير) لمحمد وردي و(يا منديل انته جميل) لسيد خليفة و(بغنيلك بقدر خيوط مناديلك) لحمد الريح ، هذه الأغنية الأخيرة يقال أن الشاعر الرمز (محجوب شريف) تبرأ منها في فترة ما من حياته، كما أن للراحل الكبير علي عبد القيوم مقطعاً في أغنية (بسيماتك) يقول ( أشوف شفع يأشروا للقميرية التايه دورين بالمناديل). ما علينا المهم يا جماعة الخير أن منديل اسم علم شائع في العديد من الدول العربية، أما أغلى منديل على الإطلاق، فهو منديل كوكب الشرق "أم كلثوم"، الذي تم بيعه في مزاد علني بإحدى المحطات الفضائية ودفع فيه رجل أعمال (يهز ويرز) خمسة ملايين ونصف المليون دولار( ده المنديل يا بلاش). من أطرف الحكايات عن المناديل يقال أن رجل أعمال من الجزائر فقد إحدى عينيه بسبب منديل أحمر، الحكاية وما فيها أن صاحبنا كان في زيارة لمزرعة الديوك الرومية التي يمتلكها في قرية بعيدة عن العاصمة الجزائر، ولأن الجو كان مغبراً فقد أخرج رجل الأعمال منديله لمسح حبات العرق والغبار من وجهه، وفجأة انقَّض عليه ديك رومي فحل وفقأ عين الرجل (حلوة فقأ دي) وبعدها أعدم الديك اللئيم جزاءً لفعلته. اسمعوني، لأن المناديل في صورتها التقليدية دخلت أرشيف التاريخ بغير رجعة، لدي سؤال لئيم ترى كم نحتاج من مناديل ورقية لتجفيف دموعنا من ويلات الزمن وضرباته المتكررة، ومن القنابل المسيلة للدموع في هذا الزمن الرمادي؟ من يعرف الإجابة عليه إرسالها إلى بنك المشاعر السودانية، بالمناسبة الجائزة خمسين مليون برميل من الدموع الطازجة.