تقرير- نزار سيد أحمد أن يقوم وزير الخارجية السعودي "عادل الجبير" وعلى نحو مفاجئ بزيارة إلى الخرطوم دون أي ترتيبات مسبقة أو إعلان لوسائل الإعلام عن أسباب ودافع الزيارة، فهذا بالطبع يعني أن الأمر جلل وأن الموقف حقاً يستدعي قدوم مسؤول على مستوى رفيع إلى الخرطوم، التي لم تستقبل وزير خارجية سعودي منذ آخر زيارة قبل (14) عاماً في 29 ديسمبر من العام 2002 التي زار فيها وزير الخارجية السعودي الراحل "سعود الفيصل" الخرطوم وأجرى خلالها عدداً من المقابلات من بينها لقاء مع وزير الخارجية "مصطفى عثمان إسماعيل" ورئيس الجمهورية "عمر البشير" والنائب الأول "علي عثمان محمد طه". وقد مثل أمس (الاثنين) يوماً تاريخياً يفسر بشكل أو بآخر حجم التقارب والتنسيق السوداني السعودي في كثير من الملفات الثنائية والإقليمية والدولية، ومن هنا تبرز إلى الأذهان عدة أسئلة ملحة تحتاج إلى إجابات في ظل ما يشهده العالم والمنطقة العربية من تقلبات وتجاذبات سياسية إقليمية ودولية، بينها: ما هي ضرورات هذه الزيارة المفاجئة في هذا التوقيت؟ وماذا تريد السعودية من السودان؟ وهل لهذه الزيارة علاقة بموقف السودان الذي أعلنه من التدخل العسكري في سوريا؟؟ { مباحثات الساعتين لعل أولى الإجابات على الأسئلة المطروحة عن أسباب هذه الزيارة ما أطلقها وزير الخارجية السعودي "عادل الجبير" الذي أشار إلى أنه جاء بغرض نقل رسالة شفهية من الملك "سلمان بن عبد العزيز" إلى رئيس الجمهورية المشير "عمر البشير" تتعلق بالعلاقات الثنائية وأوجه التعاون المشترك، ولم يكتف "الجبير" بتبليغ الرسالة فقط لكنه دخل مباحثات مغلقة ببيت الضيافة مع رئيس الجمهورية المشير "عمر البشير" لمناقشة العلاقات الثنائية وسبل تطويرها بما يخدم مصالح البلدين، تناولت إلى جانب العلاقات الثنائية ملفات التعاون المشترك بين السودان والمملكة على الصعيدين الإقليمي والدولي، حيث اكتفى الجانبان بهذه التأكيدات عن فحوى الزيارة التي استغرقت ساعتين فقط من الزمن. { "الجبير" يوضح وزير الخارجية السعودي في تصريحاته أثنى على مواقف السودان ومساندته للمملكة، مشيراً إلى المشاركة في "عاصفة الحزم" والتحالف العربي الحالي، مبدياً تقدير بلاده لهذه المواقف. وقال الوزير السعودي إنه بحث مع الرئيس "البشير" عدداً من القضايا والملفات ذات الاهتمام المشترك على الصعيد الإقليمي من بينها القضية الفلسطينية واليمنية والصومالية والسورية، معبراً عن سعادته باللقاء، ومضى ليقول إن الزيارة تميزت بالإيجابية لا سيما وأن المملكة تعدّ السودان دولة شقيقة، مشيراً إلى وجود تطابق في وجهات النظر بين البلدين حول التحديات التي تواجه المنطقة، مشيداً بالعلاقات السودانية السعودية التي وصفها بالمتميزة والتاريخية في إشارة إلى أوجه التعاون المختلفة بين الدولتين. { "غندور": كل شيء ممكن وزير الخارجية البروفيسور "إبراهيم غندور" أكد أن المباحثات التي جمعت رئيس الجمهورية بالوزير السعودي كانت سياسية محضة وليست مباحثات عسكرية، عادّاً قضية مشاركة السودان في عمليات عسكرية برية في سوريا أمراً (سابق لأوانه) لكنه رجع وقال: (طالما السودان مشارك في الحلف الذي تقوده السعودية كل شيء ممكن، لكن هذا الأمر غير مطروح للنقاش في هذا التوقيت بالذات). ومضى "غندور" ليؤكد أن مباحثات "الجبير" مع الرئيس "البشير" كانت سياسية، إلى جانب القضايا ذات الاهتمام المشترك، موضحا أن "البشير" وجّه الخارجية بمواصلة التنسيق والتعاون في مجال العلاقات مع الرياض في ملفات الإرهاب و"عاصفة الحزم". وتحدث "غندور" عن عمق العلاقات السودانية السعودية، مبيناً أن المباحثات التي جرت بين الرئيس "البشير" ووزير الخارجية السعودي كانت حول ملفات التعاون السياسي بين البلدين على مستوى العلاقات الثنائية والمستوى الإقليمي والدولي، وجدد "غندور" موقف السودان الثابت والداعم للقضايا العربية في المجالات كافة، مبيناً أن الزيارة تأتي في إطار العلاقات الأخوية بين السودان والسعودية وسعيهما المشترك لتعزيز هذه العلاقات. { السودان والمملكة.. عهد جديد بدأت علاقات السودان والمملكة العربية السعودية تأخذ طابعاً إستراتيجياً بعد تولي الملك "سلمان" زمام الأمر في المملكة، حيث تحسنت علاقات البلدين بصورة كبيرة جعلت السودان يتخلى عن أكبر الحلفاء الإستراتيجيين خلال الأعوام الماضية (الجمهورية الإسلامية الإيرانية)، بل إن السودان شارك ضمن قوات تحالف "عاصفة الحزم" التي قادتها السعودية لاستعادة الشرعية في اليمن كأكبر عملية عسكرية يشهدها الشرق الأوسط خلال العقدين الأخيرين، واستمر التعاون السوداني السعودي بدخول السودان ضمن قوات "رعد الشمال" التي تقوم بمناورات هذه الأيام في شمالي السعودية التي تود المملكة من خلالها أن تبعث رسالة واضحة أنها مع أشقائها وإخوانها وأصدقائها من الدول المشاركة، تقف صفاً واحداً لمواجهة التحديات كافة، والحفاظ على السلام والاستقرار في المنطقة، وقد راجت بعض الأنباء عن أن المملكة العربية السعودية تنوي أن تستخدم هذه القوات في التدخل عسكرياً في سوريا لاقتلاع نظام "بشار الأسد" بعد أن فشلت كل المحالات في إعادة الأمن والاستقرار لسوريا التي تمدد فيها القتل بفضل الصراع (السوري- السوري) تارة، وبفضل تمدد مجموعات الدولة الإسلامية المعروفة ب(داعش) تارة أخرى. { الأزمة السورية على الخط لكن الحكومة السودانية أكدت أكثر من مرة وعلى (ألسنة) متعددة أنها لن تكون جزءاً من أي تدخل عسكري في سوريا، وقد أطلق وزير الخارجية البروفيسور "إبراهيم غندور" تأكيدات على هذا النحو من مدينة شرم الشيخ المصرية، عندما أكد أن السودان ليس مع الحل العسكري في سوريا، لكنه في ذات الوقت يحتفظ بمكانته داخل مكونات التحالف الإسلامي الذي تقوده المملكة العربية السعودية، وقال: (سنتعامل مع الموقف طبقاً لرؤية موحدة، لأن الأوضاع في المنطقة العربية تتطلب عملاً مشتركاً أكبر لإعادة الهدوء والاستقرار إلى دول المنطقة). { موازنات وتقاطعات ويعزو محللون موقف السودان من الأزمة السورية إلى علاقاته مع روسيا التي تمثل بثقلها السياسي داخل مجلس الأمن الدولي أكبر الداعمين للسودان في قضاياه التي تعج بها أضابير الكيان الدولي، ويتلخص الموقف الروسي الداعم الأكبر لنظام "بشار الأسد" في رفض أي تدخل عسكري في سوريا سواء كان هذا التدخل من قبل مجلس الأمن الدولي أو حتى من التحالف الإسلامي بقيادة المملكة العربية السعودية، ومن هنا تبرز التقاطعات والمصالح السودانية ما بين تأييد الموقف الروسي تجاه سوريا أو الوقوف خلف المساعي السعودية التي تستهدف التدخل عسكرياً في سوريا وإنهاء المعاناة التي يعيشها الشعب السوري من حكومته ومن (داعش) في وقت واحد. { ليس هذا هو السبب لكن وزير الخارجية البروفيسور "إبراهيم غندور" رفض ربط موقف السودان الداعي لعدم التدخل العسكري ودعوته لانتهاج الحوار السياسي لحل الأزمة في سوريا بعلاقاته مع دولة روسيا، وقال: (لا نقول إننا امتنعنا أو أبدينا تحفظاً للمشاركة في عمل عسكري في سوريا، لكن نقول إن الخيار السياسي عبر الحوار هو الطريق الوحيد لحل أية قضايا في بلداننا خاصة التي تتعلق بحروب داخلية وعلى رأسها الوضع في سوريا)، وتساءل "غندور": (لماذا يؤثر موقفنا من سوريا على علاقاتنا مع المملكة العربية السعودية؟)، وأكد أن موقف السودان يعطي أولوية للحوار بوصفه موقف كل الدول بما في ذلك المملكة العربية السعودية. ومضى "غندور" ليؤكد أن الموقف لن يؤثر على علاقات السودان بالمملكة العربية السعودية، وزاد قائلاً: (ليس شرطاً أن ترتبط مواقفنا بهذه الدولة أو تلك). وتأتي تصريحات غندور هذه قبيل (72) ساعة من زيارته إلى موسكو لحضور المنتدى العربي الروسي الذي دعت له روسيا. وحسب ما أكد "غندور" فإنه سيجري مباحثات رسمية مع وزير الخارجية الروسي "سيرجي لافروف" لمناقشة القضايا الثنائية، فضلاً عن قضايا أخرى لم يكشف عنها، واكتفى بالقول: (كل القضايا ستكون مطروحة للنقاش)، مشيراً إلى أن روسيا من الدول الصديقة للسودان، ولديها مواقف داعمة له في المحافل الدولية سيما في مجلس الأمن الدولي.