ما زال الاتحاد الأفريقي مؤسسة علاقات عامة لا أكثر ولا أقل.. صحيح أن هناك انتظاماً في اجتماعاته، وبعض المواقف السياسية التي تعتبر قوية، مثل موقف من المحكمة الجنائية الدولية، إلا أنه لا يزال بعيداً كل البعد عن الاضطلاع بدور فاعل في قضايا القارة المستعصية.. في آخر قمة قبل أيام أعلن الاتحاد، في بيان له، تبني مبادرة لدعم السودان، من بين ثماني دول افريقية شهدت حديثاً صراعات مسلحة.. لم يوضح الاتحاد هذا الدعم ولا أعتقد أن أحداً يستطيع أن يتصور ماهية هذا الدعم المزعوم.. السودان، وفي ظل مكانته (المتراجعة) في ما يعرف بالمجتمع، يظل يتمسك بشكل هستيري بقشة الاتحاد الأفريقي، ويعزف الأناشيد؛ طرباً بكل ما يصدر عن هذا الاتحاد (الكسيح). المشكلة أن الاتحاد ودوله غارقة حتى أخمص أقدامها في وحل الاستعمار و(الاستهبال) الغربي.. فرنسا التي استعمرت معظم غرب أفريقيا تجيد الاستهبال على الأفارقة وهي أنكى من استعمرهم.. قبل عامين استضافت فرنسا القمة المسماة (الفرانكفونية)، حيث أكد الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، وهو يخاطب الجمع الأفريقي بمدينة نيس، أن فرنسا عازمة على تقليص وجودها العسكري في القارة المثقلة بالوجود العسكري الأجنبي.. أخيراً تنبهت فرنسا والغرب إلى أفريقيا بعد امتصاص ثرواتها في عهود الاستعمار المباشر.. اليوم، وبعد ولوج التنين الصيني القارة من أوسع الأبواب الاستثمارية وبدون أهداف سياسية تذكر أو تعالٍ حضاري.. قمة الاستخفاف عندما أعلنت فرنسا عن إنشاء صندوق من أجل الزراعة في أفريقيا، موجه لدعم تنمية المشاريع الزراعية في أفريقيا وتوزيع المواد الغذائية، وسيرفد هذا الصندوق في مرحلة أولى، بتمويل يقدر ب(120) مليون دولار أمريكي، قد يصل في المستقبل إلى 300 مليون دولار أمريكي.. فقط (120) مليون دولار، وحينها ذكر لنا النائب الأول علي عثمان الذي مثل السودان كمراقب في القمة أن السودان يصرف مثل هذا المبلغ في موسم زراعي واحد!!.. حينها تعجبت؛ هل جمعت فرنسا حوالي (51) دولة إفريقية لتقول لها إنها ستدعم صندوقاً لتنمية المشاريع الزراعية ب(120) مليون دولار فقط؟!.. إنها عدالة الرجل الأبيض التي اكتوت منها ومازالت تكتوي بها القارة الإفريقية. إن لم يتنبه الاتحاد الأفريقي لأهمية القارة الإستراتيجية، ومن ثم يضع خططه، ويعمل الآليات الفاعلة، لن يتعدى عتبة العلاقات العامة.. من حيث المساحة، فإن أفريقيا تحتل المكانة الثانية بين قارات العالم، إذ تزيد مساحتها عن ثلاثين مليون كيلومتر مربع؛ فهي بعبارة أخرى تمثل (22%) من مساحة اليابسة.. القارة مستودع مهم للمواد الأولية، ولم يتم استغلال ما يزيد عن الطبقة السطحية من أرضها إلى اليوم، ومع ذلك، فإنها تنتج ما يقرب من 98% من إنتاج العالم من الماس و55% من ذهبه و22% من نحاسه مع كميات ضخمة من معادن جوهرية مهمة كالمنجنيز والكروم واليورانيوم. كما تنتج أفريقيا حوالي ثلثي كاكاو العالم وثلاثة أخماس زيت النخيل، وأرضها فيها احتياطيات لا نهاية لها من القوة المائية، كما ينمو في أرضها أي نبات في العالم.. المقدرات والثروات الطبيعية ليست وحدها تسيل لعاب الرجل الأبيض، لكن أيضاً المقدرات البشرية أيضاً، فأوروبا عموماً مجتمع مسن تزيد فيه نسب كبار السن عن الفئات العمرية الأخرى كالشباب والأطفال. • آخر الكلام: هل تذكرون توني بلير رئيس وزراء بريطانيا الأسبق وواحداً من اثنين قادا الحرب المدمرة ضد العراق؟.. هذا الرجل اليوم تمكن من الاستهبال على دولة جنوب السودان وتم تعيينه مستشارا لها؟!.. صحيفة صنداي تلغراف البريطانية قالت تعليقا على (الصفقة) إن بلير وسّع إمبراطوريته الأفريقية!!.. وذكرت الصحيفة أن مؤسسة بلير المسماة (مبادرة الحكم في إفريقيا) لديها الآن مكاتب في الإدارات الرئاسية ضمن (5) دول إفريقية.. وتعلمون أن بلير نفسه هو صاحب مبادرة (إعادة إدماج) نظام العقيد الليبي الراحل، معمر القذافي، في المجتمع الدولي.. وقد التقى القذافي (6)مرات سرّاً!!.