تبدأ غداً الأحد بجميع ولايات البلاد مقاطعة اللحوم بجميع أنواعها وتستمر لمدة ثلاثة أيام تعبيراً واستنكاراً لموجة الغلاء العابثة التي ضربت معظم السلع الاستهلاكية، وتأتي هذه الحملة الشعبية التي تقودها جمعية حماية المستهلك في ظل الارتفاع المطرد في أسعار اللحوم، حيث سجلت ارتفاعاً بمتوالية هندسية لتصل حالياً إلى مستويات قياسية لم يشهدها السوق من قبل في بلد ينعم بأكثر من (125) مليون رأس من الماشية، وكانت قد استبقت المقاطعة حملة إعلامية واسعة هدفت إلى حث المستهلكين على ضرورة المشاركة في المقاطعة والتضامن معها. وتوقعت الجمعية نجاح الحملة وتأثيرها على انخفاض أسعار اللحوم، بجانب أنها ستدفع الحكومة باتجاه التدخل لوضع حد لفوضى زيادة الأسعار في السلع الأخرى. وخلال جولة (الأهرام اليوم) بمحلات الجزارات استغرب عدد من الجزارين فكرة المقاطعة، مشيرين إلى أنها ستسبب لهم خسائر فادحة في تجارتهم، ودعوا الجمعية إلى الضغط على الحكومة بدل تحمليها المسؤولية للمنتجين وموزعي القطاعي. وعزا الجزارون، الزيادات في الأسعار إلى ارتفاع السعر من (المسلخ)، حيث يباع الكليو الضأن في المسالخ ب(28) جنيهاً ويقوموا ببيعه للمستهلكين بأسعار تتراوح بين (32 - 36) جنيهاً غير الرسوم والضرائب التي تفرض عليهم، وأوضح حسن موسى - صاحب جزارة - أن هناك تراجعا كبيرا في القوى الشرائية بسبب المقاطعة المعلنة، وقال إنه يعتزم إغلاق محله في حال لم يتمكن من سداد أجرة المحل، وأضاف: قمت بتقليص المعروض من اللحوم بالجزارة لأن الإقبال أصبح ضعيفاً. ونفى الجزار علي محمد علي، صاحب جزارة بالسوق الشعبي أم درمان، أي علاقة لهم بارتفاع أسعار اللحوم وقال إنه ليس لديه أي اتجاه لخفض الأسعار، ملوحاً بزيادات جديدة في السلعة ربطها بارتفاع أسعار الأعلاف، مبيناً أن تسمين الخروف الواحد وتربيته تكلف ما يقارب سعره الذي يباع به. وفي السياق أعربت مجموعة من ربات البيوت عن انزعاجهن من زيادات أسعار اللحوم وقالت ربة المنزل (الرضية محمد) إنها ملت من الزيادة في سعر اللحوم البيضاء والحمراء، وأشارت إلى أنها قاطعت اللحوم من زمن بعيد ولم تعد تشتريها إلا نادراً واتجهت إلى شراء (العدس والفول)، وأكدت الرضية مساندتها للحملة بالترويج لها بالحارة حتى تنخفض أسعار اللحوم. فيما شكت ربة المنزل سهام علي من غلاء اللحوم، مؤكدة أنها لجأت إلى شراء العظام لرخص سعرها الذي لا يتجاوز (15) جنيهاً. ويرى عضو جمعية حماية المستهلك بالحصاحيصا بولاية الجزيرة مزمل يعقوب أن الحملة بدأ يسري مفعولها منذ الخميس الماضي، حيث انخفضت أسعار اللحوم تحت تأثيرها من (20) جنيهاً للعجالي إلى (16) جنيهاً، والضأن من (30) جنيهاً إلى (28) جنيهاً. وقال إنها ستنجح كثيراً في تثبيت سعر مركز يكون في صالح المستهلكين والمنتجين. وقال إنهم في الجمعية لاحظوا تخوفاً من قبل الجزارين من المقاطعة وبالتالي استجابوا سريعاً إلى خفض الأسعار. واستبعد وداعة الله الصديق، صاحب جزارة، مقاطعة المواطنين لشراء اللحوم باعتبار أن اللحوم تدخل في جميع الوجبات السودانية، وحمل وداعة مسؤولية ارتفاع أسعار اللحوم إلى من أسماهم (بالسبابة) الذين يقوموا بشراء اللحوم مباشرة من المسلخ ويزايدون في السعر حيث لا يتجاوز عند المسلخ (13) جنيهاً للكيلو. وكانت وزارة الثروة الحيوانية والسمكية قد أرجعت ارتفاع أسعار المواشي واللحوم داخلياً إلى المضاربات بين التجار والسماسرة والمصدرين وعدم وجود كيان تسويقي منظم للسوق الداخلي والخارجي، بجانب ارتفاع أسعار الأعلاف والموسمية في العرض والطلب على اللحوم. وأوضح وزير الثروة الحيوانية والسمكية؛ د. فيصل حسن إبراهيم، أن الوزارة وضعت عدة ضوابط وشروط لحماية المصدرين من السماسرة والمضاربات التي تحدث في الأسعار وذلك بتنظيم الأسواق وإنشاء أسواق رسمية مخصصة للصادر وبيع الحيوان بالوزن بدلاً عن الرأس وإيقاف الدلالة السرية والدفع الآجل ومنع المضاربات بين التجار والسماسرة والمصدرين، إلى جانب الالتزام بضوابط التجارة الخارجية في ما يتعلق بالبيع والشراء. وكشف الوزير أن الحل للمشاكل أعلاه يكمن في إنشاء شركة مساهمة عامة ذات مقدرة مالية كبيرة تقوم بعمليات التسويق الداخلي والخارجي والترحيل لمحاربة السماسرة والمضاربات وكل ما من شأنه رفع الأسعار، مبيناً أن الوزارة نهاية شهر يونيو الماضي قامت بتصدير (1.282.527) رأس من المواشي الحية و(5114.875) طناً من اللحوم. أما الناشط في مجال حماية المستهلك والأمين العام لجمعية حماية المستهلك د. ياسر ميرغني عبد الرحمن، فقد بدا متفائلاً بنجاح مقاطعة اللحوم وقال إنها الطريقة المناسبة ليعبر بها المستهلكون عن ارتفاع أسعار اللحوم التي تعتبر من السلع الغذائية الأساسية لكل أسرة سودانية، وأوضح د. ياسر أن المقاطعة لا تعني مقاطعة اللحوم نهائياً وإنما تكون فقط في الثلاثة أيام المعلنة التي تبدأ غداً الأحد وتنتهي يوم الثلاثاء. وقال د. ياسر: نحن نعول كثيراً على ربات البيوت ودورهن في مساندة المقاطعة، لافتاً أن هنالك خيارات كثيرة يمكن أن يلجأ إليها المواطنون في هذه الأيام الثلاثة مثل تناول الخضروات والبقوليات، بينما أكدت جمعية حماية المستهلك أن المقاطعة تشمل كافة اللحوم بأنواعها ومنتجاتها من بيرقر وسجوك وكفتة ومارتديلا وكبدة ولحوم مفرومة وفراخ إلخ... إلا أن غرفة الدواجن نفت دخول الفراخ ضمن قائمة اللحوم المقاطعة وقال رئيس الغرفة كمال مرتضى إن اجتماعاتهم مع الجمعية تم الاتفاق خلالها على عدم ضم لحوم الدواجن ضمن حملة المقاطعة، متعللاً أن الفراخ لم تشهد زيادات في الأسعار مقارنة بما تشهده اللحوم الحمراء. وأرجع رئيس غرفة الدواجن ارتفاع أسعار اللحوم عامة إلى ارتفاع تكلفة الأنتاج بالبلاد، مؤكداً عدم اتجاه المنتجين إلى أي زيادات جديدة في أسعار الفراخ التي قال إنها ستكون البديل الذي سيلجأ إليه المستهلكون بدلاً عن اللحوم.