ليس كل العالم بمثل معاناتنا، وليس سكان الأرض يقضون يومهم في حسابات الحاوي، حيث تتحول مصاريف أسبوع، والتي تشكل كل الراتب للسودانيين، إلى مصاريف مخصصة لشهر كامل ! العالم يعيش حالات أخرى . بالأمس توالت الأنباء عن شراء مجموعة من الأتراك قطع أراض في القمر .. لاستعمالها كمنتجعات في إجازاتهم، أو الإقامة فيها .. إذا ضاقت الأرض يوما بما رحبت ! الناس في كل الدنيا لديهم هامش مادي للبحبوحة، ويملكون تسهيلات هائلة في امتلاك المنازل، وتأثيث المساكن، ومدخولهم يكفيهم للأكل والشرب والعلاج والترفيه . وهذا الترفيه، بالمناسبة، ليس ترفا لدى شعوب العالم، بل هو ضرورة توازي ضرورات الأكل والشرب والسكن، وأذكر أن صديقا عربيا زار السودان فسألته عن انطباعه، فقال إن السودان جميل .. ولكنه لم يجد فيه أي مكان للترفيه ! السودانيون في أيام البحبوحة، كانوا يحردون الأماكن البعيدة، ويأنفون عن شراء الأراضي في المخططات النائية، والسبب أن السوداني كائن اجتماعي بأكثر من البشر الآخرين، ولا يحب أن يقيم في مناطق لا يعرف أناسها ولا تتوفر فيها عوامل الاستقرار والخدمات، ولذلك تكدس الناس في مناطق محدودة، وتوالدوا باجتهاد عال، ليجدوا أنفسهم أخيرا .. مضطرين للتنازل، وغير ممانعين في طلب السكن البعيد .. بعد أن أصبحت كل ضرورات الحياة .. بعيدة !! المشكلة .. أن الأراضي البعيدة نفسها .. أصبحت في غير متناول اليد، بسبب ارتفاع أسعارها، وضيق الحال، وانتقال كل قروش الناس لملاحقة الغلاء في المأكل والمشرب والعلاج . أظن أن الحديث عن شراء الأراضي أو غلائها .. هو بمثابة العرضة خارج الدارة، فهموم الناس أصبحت الآن (أكبر) من طموح الأرض، والروح قد بلغت الحلقوم، والكل لا يطمح الآن سوى لمرور يومه دون كوارث، ليهجع في المساء لمرقده .. انتظارا ليوم آخر من المعاناة والصبر الجميل على المكاره ! لكننا على أي حال ، لسنا من (الحسادة) بالدرجة التي تجعلنا نصادر حق الآخرين في طموحات لا تشبه طموحاتنا، ولذلك أظن من حق الآخرين، الذين تسير حياتهم بشكل عادي، أن يطمحوا في امتلاك الأشياء حتى لو كانت أراضي في القمر، فهم قادرون على الوصول للكوكب المنير إن أرادوا، والأرض أصبحت (غير مضمونة) بما تحتويه من كوارث .. ليس أقلها الترسانات النووية والبيولوجية والكيماوية .. التي تكفي لتدمير الأرض عدة مرات .. إذا اشتعلت فيها حرب عالمية ثالثة . وحتى لا أحرم محبي القمر من التفاصيل .. فإن الخبر الذي أوردته وكالة أنباء الأناضول التركية، قال إن موقع "آوت أوف تركي غيفتس" هو الذي تولى تسويق الأراضي القمرية لزبائنه، وأنه بعد شراء الأرض يتسلم صاحبها وثيقة تمليك باسمه تبيّن فيها إحداثيات القطعة على سطح القمر، فضلا عن "خريطة للقمر" وفيها عنوان الأرض ووثيقة ملكية حقوق المعادن التي يمكن أن تُستخرج في المستقبل من تلك القطعة. ويشير الخبر في ختامه إلى أن مليونين وخمسمائة ألف شخص باتوا يملكون الآن قطع أراض في القمر، من بينهم مشاهير مثل توم كروز وجينيفر لوبيز وباريس هيلتون وشارون ستون بالإضافة إلى الرئيس الأميركي السابق جورج بوش. حقا .. ناس عايشة .. وناس دايشة !