(1) فيما تكيل الصحافة المصرية السباب لرئيس الجمهورية المنتخب بعد انتخابات حرة كانت تتويجاً لثورة اقتلعت نظاما ديكتاتورياً؛ وفيما تهرول حكومتنا لتحاور قطاع الشمال أحد رأسي البعاتي الجنوبي، تقول صحيفة جيروزاليم الإسرائيلية: إن إسرائيل وقعت أول اتفاقية دولية مع دولة جنوب السودان.. الاتفاقية لاستغلال مياه النيل ومشروعات تحلية ونقل المياه.. الآن خطط سرقة مياه النيل أينعت واستعد الإسرائيليون لقطافها.. حصة مصر من مياه النيل في خطر داهم وأمن السودان تعبث به المخابرات الإسرائيلية.. كم آلمتني تلك العبارات في حق الرئيس المصري لجديد نقلها بأسى شديد الكاتب المصري المعروف فهمي هويدي.. (جبان وعميل للأمريكان).. هذان الوصفان أطلقهما على الرئيس مرسي، عضو في مجلس الشعب عن حزب المصريين الأحرار.. يقول هويدي: (الهجوم على الرئيس مرسي ليس جديداً، ولكن تصعيده إلى حد وصف الرجل بالجبن والعمالة يصيبنا بدهشة بالغة.. قبل أيام قليلة وصف أداؤه بالبلطجة السياسية في عنوان صحفي، وأشار إليه عنوان صحفي آخر بأنه «الرئيس الفضيحة»، وحين تسلم السلطة نشر أن «الفاشي» وصل إلى قصر الرئاسة. وفي أحد الأعداد ذكر عنوان تصدر الصفحة الأولى باللون الأحمر أنه «رئيس تحت الصفر». كما أشارت صحيفة أخرى إلى أن عضوا بالكونجرس تحدث عن أن أمريكا اشترته بخمسين مليون دولار!!.. هذا ليس بالطبع نقد للرجل – وهو ليس كبيراً على النقد - لكنه سب علني وقذف.. أقزام الصحافة المصرية الذين ظلوا يمسحون أحذية قادة نظام مبارك جاءوا اليوم يتطاولون ويقلون الأدب على رمز الدولة المصرية.. هذا حال مصر التي تحاك ضدها المؤامرات في دولة جنوب السودان.. وأما حالنا فحدث ولا حرج، فمفاوضونا يهرولون حتى ليكادوا ينكبوا على وجوههم.. وياسر عرمان يضحك ملء شدقيه ويشرب نخب (الانتصار) مع رفيقيه مالك عقار وعبد العزيز الحلو. (2) في رمضان العام الماضي أو ربما قبله شهدت جانباً من البرنامج الاجتماعي (الراعي والرعية) الذي يزور فيه قادة الدولة بعض المواطنين من أصحاب العطاء.. هناك ارتسمت لوحات بديعة.. أولئك ضحكوا وعلت أصواتهم كما لم يضحكوا من قبل، وفاضت دموعهم أنهاراً كما لم تفض من قبل.. كانت الضحكات نسائم مسائية معطرة بالياسمين، وكانت الدموع قناديل أضاءت فضاءاتهم.. كانت المواقف مهيباً بحق والمناسبة مشحونة باحترام وتقدير يستحقونه.. (الراعي والرعية) برنامج عالي القيمة من لدن الشرع الحنيف والقيم الأصيلة المتوارثة ولو تمت مراعاة شعور بعض الضعفاء والفقراء الذي يشملهم البرنامج وحجبت الكاميرات و(الهيصة والزمبريطة) كان أفضل خاصة أن المبالغ المتبرع بها جدُّ متواضعة!!.. يقول الإمام علي كرم الله وجه وقد كان صاحب فلسفة سياسية رفيعة تستحق أن تدرس في أرفع كليات العلوم السياسية حين قال: (إذا أدت الرعية إلى الوالي حقه، وأدى الوالي إليها حقها، عز الحق بينهم، وقامت مناهج الدين، واعتدلت معالم العدل، وجرت السنن على استقامة، فصلح الزمان بذلك، وطمع في بقاء الدولة ويئست مطامع الأعداء(. • آخر الكلام: ألا ليت شعري والخطوب كثيرة، عالم اليوم يدربنا بصخبه وضجيجه على أن نعطي قدراً أقل من اهتمامنا بمشكلة انخراطنا الدائم في عادات الشك وسوء الظن.. التدبر في القرآن الكريم وتلاوته خاصة في هذا الشهر الكريم لاشك أمر يدلنا على الحقائق التي لا غني عنها.. ومن فضل الله علينا أن نبتلى فنصبر، ونُرزق فنشكر، فكلا الأمرين حينئذ خير وفلاح وفوز ونجاح، كما أخرج مسلم في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له). وقوله صلى الله عليه وسلم: (إن عظم الجزاء مع عظم البلاء وإن الله إذا أحب قومًا ابتلاهم فمن رضي فله الرضى ومن سخط فله السخط).. لنراقب أفكاركنا المشوشة لأنها ستصبح أفعالاً، وأفعالَنا لأنها ستُصبح عادات، وعاداتنا؛ لأنها ستصبح طباعاً وطباعنا لأنها ستُحدِّدُ مصِيرنا.