صدمتي كانت كبيرة جداً والشاشة تنقل مشاهد محزنة لزيارة الأستاذ "بابكر صديق" لنجم نجوم الغد، الفتى الأبنوسي "شول منور" وهو يعاني ويلات المرض وبؤس الحال، حتى كاد أن يصبح هيكلاً عظمياً يمشي بين الناس. و"شول" تحديداً له في دواخلنا قدر كبير من الحب والمعزة لأنه صوت انحاز للشمال إبداعاً وفناً، فكان تصويراً حقيقياً للمشهد الذي رسمه صوت العميد "أحمد المصطفى" وهو يغني (أنا ابن الشمال سكنتو قلبي على ابن الجنوب ضميت ضلوعي). وقبل أن يكون "شول" فنان ضل طريقه نحو ظلام المر وشقاء الحال، فهو إنسان يستحق أن نلبي من أجله نداء الإنسانية ونقف معه في محنته حتى يتعافى ويعود شاباً صحيحاً وفرداً عاملاً يكمل مشواره الإبداعي بلا ألم بلا وجع بلا مصير مجهول! لكن وبعد لكن دي رجاءً أمنحوني كامل اهتمامكم إذ أن صدمتي في "شول" سبقتها صدمة أضعاف أضعافها وأنا أتابع عبر الشاشة والكاميرا اللتين لا تكذبان مستوى المستشفى الذي يستشفى فيه "شول" وهو أبو عنجة للأمراض الصدرية، والمريض كان يجلس على مرتبة في العراء يحيط به الذباب من كل جانب في مشهد يعني حال المستشفيات العامة والصحة في بلادنا، إذ يبدو أن الزيارة كانت مفاجئة فلم تترك لأحد فرصة أن يكذب أو يتجمل ليشاهد الملايين هذه المأساة لمباني يطلق عليها اسم مستشفيات، وهي أقرب إلى مرادم النفايات إن لم تكن كذلك. كيف يكون هذا المستشفى مكاناً يعالج المرضى وهو بهذه البيئة الملوثة وكلنا نعلم أن أمراض الصدر في أول قائمة علاجها النظافة والتهوية والغذاء الصحي، ولا أظن ذلك يتوفر في حالة "شول" الذي كان يتوسد الواطة ويغطي نفسه بخرقة بالية، وبالتأكيد المستشفى ليس حصرياً على "شول"، وأقرانه وأمثاله من المرضى يعيشون على ذات الحال، لتكشف ورقة التوت عن عورات وسوءات الوضع الصحي الذي نعيشه في بلادنا!! بالله عليكم كيف يكون مستشفى أبو عنجة هذا الصرح التاريخي العملاق الذي سبق بتخصصه بلاداً كثيرة بهذا السوء، وهي الآن تضحك علينا أن شاهدوا "شول" المريض يتمرغ في وحل الإهمال وسوء المنظر، في مشهد لا يمكن أن يحدث في أوضاع طبيعية، اللهم إلا إن كان المسرح له بلد ضاربه زلزال أو يعاني حرباً أهلية، وهي فضيحة بمعنى كلمة فضيحة أن يصل الحال بالمؤسسات الصحية إلى هذا الانحدار المخجل، ولا أحد يدق ناقوس الخطر، والإهمال يفقد المواطن الغلبان حقه في أن يجد خدمة صحية برعاية الدولة، إن كان لا يستطيع أن يعالج نفسه في واحد من مستشفيات الخمسة نجوم. وأخشى ما أخشى أن يؤدي الإهمال وسوء الحال إلى تحويل الصرح العريق إلى مبنى مهجور وبكرة يدقوا فيه الجرس!! { كلمة عزيزة نهاية طبيعية ومنطقية لفلم (هي فوضى) الذي تعيشه مؤسسات الدولة، أن يمارس وزير الرعاية الاجتماعية بولاية البحر الأحمر مهامه رغماً عن أنف قرار إقالته الذي أصدره برلمان الولاية بأغلبية ساحقة، وقبل أن تبت الخرطوم في (عركة) البحر الأحمر سافر الوزير مترئساً بعثة ولايته للحج، لينهي بذلك ويشيل الفاتحة على قيمة وأهمية المجالس التشريعية للبلاد، فإما أن تكون ديكوراً مكملاً لمشهد الحكم أو ينضرب بها عرض الحائط لو مرق ليها حس وقالت (بِغِم)، لذلك لا أظن أنه أصبح لها لازمة أو ضرورة، لتصبح قراراتها أرخص من الحبر الذي كتبت ب. فمن أين للوزير هذه الجسارة والقوة أن يتحدى الدستور الذي يمثله المجلس التشريعي، وهل سيجرؤ بعدها مجلس آخر أن يهبش أحد وزراء الحزب الحاكم الذي أكد بهذا المسلك أنه قبل الجميع وفوق الجميع وسلام مربع للتشريع والقانون. { كلمة أعز ذات الكاميرا التي ذهبت فجأة وبدون مقدمات إلى مستشفى أبو عنجة وكشفت الحال المايل، لو أنها بذات الطريقة اقتحمت مؤسسات كثيرة لاكتشفت بلاوي واتضحت الرؤيا في زوايا القصور والخيبة التي أصبحت.