مجلس السيادةينفي ما يتم تداوله حول مراجعة الجنسية السودانية    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    إقصاء الزعيم!    برشلونة: تشافي سيواصل تدريب الفريق بعد تراجعه عن قرار الرحيل    إيفرتون يصعق ليفربول بثنائية    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    السيسي: قصة كفاح المصريين من أجل سيناء ملحمة بطولة وفداء وتضحية    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    الجيش يقصف مواقع الدعم في جبرة واللاجئين تدعو إلى وضع حد فوري لأعمال العنف العبثية    تشكيل وزاري جديد في السودان ومشاورات لاختيار رئيس وزراء مدني    الحلم الذي لم يكتمل مع الزعيم؟!    أحلام تدعو بالشفاء العاجل لخادم الحرمين الشريفين    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    السودان..رصد 3″ طائرات درون" في مروي    البيت الأبيض: يجب على الصين السماح ببيع تطبيق تيك توك    دبابيس ودالشريف    كواسي إبياه سيعيد لكرتنا السودانيةهيبتها المفقودة،،    في أول تقسيمة رئيسية للمريخ..الأصفر يكسب الأحمر برعاية وتألق لافت لنجوم الشباب    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    وزير الخارجية المكلف يتسلم اوراق اعتماد سفير اوكرانيا لدى السودان    فيديو.. مشاهد ملتقطة "بطائرة درون" توضح آثار الدمار والخراب بمنطقة أم درمان القديمة    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    محمد وداعة يكتب: الامارات .. الشينة منكورة    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    عن ظاهرة الترامبية    مدير شرطة محلية مروي يتفقد العمل بادارات المحلية    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مرضى السل .. قصص وحكايات مؤلمة
نشر في الرأي العام يوم 05 - 06 - 2012

السل عالم خفى ، موصد الابواب ، ولذلك لا يعرف الكثيرون ما يدور بداخله
، نداء انسانى من مرضى السل المقاوم بمستشفى ابو عنجة امدرمان ل (الرأي العام) ، اتاح لى فرصة التردد على المستشفى ومقابلة المرضى ومرافقيهم ، ومن مشاهداتى وملاحظاتى وقفت ميدانياً ، على حجم المعاناة النفسية وفداحة المأساة الاجتماعية التي يعانون منها ، لدرجة أن اقرب المقربين اليهم نبذوهم وقاطعوهم .. هذه جوانب تفصيلية من معاناة مرضى السل الاجتماعية والنفسية .. نكشفها للمجتمع وللدولة علها تسهم فى تعديل الصورة المقلوبة والمفاهيم المغلوطة ، التي تحيط بهذه الشريحة .
مع مرضى السل
مستشفى ابو عنجة للأمراض الصدرية ، ذات خصوصية عكس المستشفيات الأخرى ، فهو بلا زوار ، بل أن المارة يتحاشون المرور بالطرق الواقعة امامها مباشرة ، من الجهتين الشرقية والجنوبية .. لاحظت ان معظم المرضى ، خاصة الرجال بدون مرافقين ولا زوار ، خاصة مرضى المدن، اما مرضى الولايات فغالباً يكون معهم مرافقون او مرافقات ، وأحياناً زوار ... المرافقات يجلسن تحت الاشجار الكثيفة والظليلة التى تميز مستشفى ابو عنجة ، يقمن بإعداد الطعام ، وقتل الوقت بالشاى والجبنة والونسة .. عنابر مرضى السل العادى معزولة اقصى الجزء الشمالى الغربى ، بينما مرضى السل المقاوم معزولون اقصى الجهة الشمالية الغربية ، معظم المرضى من خارج العاصمة .. بل هناك مريض دخل مستشفى ابو عنجة قادما من احدى العواصم الاوربية ، حيث اصيب بالمرض هناك ، ولتكلفة علاج السل الباهظة عاد إلى السودان للعلاج المجانى بمستشفى ابو عنجة امدرمان ، لكنه توفى بعد بدء العلاج، فقد كان فى مرحلة متأخرة .. مريض سودانى آخر جاء من ليبيا ولا يزال يتلقى العلاج بالمستشفى ... لاحظت وجود عدد من الاطفال والفتيات ليسوا مرضى بل مرافقين لأمهاتهم المصابات او اطفال لمرافقات .. للحق العلاج الاساسى للدرن الرئوى (السل) لا مشكلة فيه ، وكذلك التغذية ، فهى تقدم للمرضى مجاناً .
مريض شاب ظل بالمستشفى شهوراً طويلة دون ان يزوره احد من اهله ويبدو انهم شعروا بعقدة الذنب ، فتشجعوا وقاموا بزيارته ، والدته وإخوانه ، وعندما شاهد امه اخذ يبكى مردداً (انا عايز اموت .. عايز اموت .. لماذا لا تزورونى ؟) .. بعدها اصبحت امه تزوره باستمرار .. مريض آخر من احد المدن جنوب مدينة سنار ، قال : لم يزرنى احد من اهلى منذ دخولى المستشفى ، ولا حتى زوجتى .. مريض ثالث من دولة جنوب السودان ، ومن مواليد ولاية الجزيرة ، قامت بتربيته اسرة شمالية منذ صغره ، وبعد إصابته بالسل ، ادخلوه مستشفى ابو عنجة ولم يزره احد بعده .
مريض سل جاء من احدى الولايات الى مستشفى ابو عنجه يرافقه ابنه فلاحظ انه كلما دخل عليه في العنبر يغطي انفه بيده خوفا من العدوى فغضب منه الاب وقال له : اتعاف من ابيك ، وعلى الفور قام بحمل اناء صغير امامه (كوز) ملئ ب( البصاق ) وسكبه على رأس ابنه الذي اخذ يصرخ بهستيريا فاسرع نحوه بعض الممرضين واخذوه بعيدا وقاموا بغسله وتطهيره بالمطهرات .. هذا يوضح الحالة النفسية السيئة لمريض السل التي قد تتطور الى (حقد ) يصيب حتى الابناء.
تفاصيل موجعة
احد مرافقى المرضى لاحظت انه يوجد باستمرار داخل المستشفى ، يقضى معظم اليوم امام غرفة صغيرة تتبع لعنبر مرضى السل المقاوم ، قال انه يرافق ابنه المصاب ب (السل المقاوم) لقرابة السنتين ، ظل يقيم خلالها داخل المستشفى ، فهو قادم من ولاية سنار .. حكى لى تفاصيل موجعة ومؤلمة عن مرض ابنه ، قائلاً : ابنى البالغ من العمر (24) سنة فقط ، كان يعمل بالخرطوم منتسباً لأحدى القوات النظامية ، وكان يقيم فى عنبر مع زملائه وذات ليلة اكتشفوا أن احد زملائهم مصاب بالسل ، ويقيم معهم داخل العنبر ، فتسللوا للخارج عدا ابنى الذي كان وقتها يغط فى نوم عميق ، ولم يوقظه احد من زملائه ، فظل داخل العنبر مع زميله المصاب بالدرن حتى الصباح .. وبعد حوالى الشهر اخذت تنتابه (كحة) حادة ومتواصلة ، فقابل احد الاطباء بالخرطوم ، فطلب منه عمل اشعة للصدر وفحص (التفاف) ، وكانت النتيجة اصابته بالسل ، ولكن فى المرحلة الاولى ، واخفى ابنى خبر إصابته بالسل حتى عنى ، وقرر له الطبيب علاج السل لمدة (8) أشهر ، فاخذ اجازة من العمل وواصل فى العلاج (حبوب) .. وكنت عندما اسأله عن اسباب تعاطيه تلك الحبوب الكثيرة كان يقول انه مصاب بالتهاب حاد فى الصدر ، وبعد الحاح منى ، اخبرنى بالحقيقة فكتمنا الامر عن والدته وإخوته ، وواصل فى العلاج لمدة شهرين ، فتحسنت صحته كثيراً ، فقام بقطع العلاج وعاد للعمل ، لمدة (3) أشهر .. فاعتقد انه شفى ، وفكرت فى تزويجه لرفع معنوياته ، حيث أن اصابته بالسل جعلته انطوائيا ، وإنسانا محبطا ، وتم الزواج بعد سنة كاملة من اصابته بالسل ، وكان يفترض مراجعة الطبيب ألا انه لم يفعل ، ولم يفحص (التفاف) للتأكد من زوال المرض .. وبعد زواجه بستة أشهر بدأ يحس بألم حاد فى الصدر ، وعاودته نوبات الكحة الحادة والمستمرة ، وكانت زوجته وقتها حاملا ، فعرض نفسه للطبيب المعالج فوبخه لعدم مقابلته مرة أخرى ، ورفض أن يعطيه أي دواء ألا بعد عمل زراعة ل (التفاف) ، والمعمل الوحيد الذي يجرى هذا الفحص هو معمل استاك ، فاصطحبته وتوجهنا له فى الخرطوم وفوجئنا ان النتيجة ستظهر بعد شهرين ونصف الشهر، ويمكن اجراء الفحص فى العيادات الخاصة حيث ترسل النتيجة إلى الاردن ، لتأتى النتيجة بعد اسبوع او عشرة ايام ، لكن بتكلفة عالية تبلغ (الفا وخمسمائة) جنيه ولما لم يتوفر لنا هذا المبلغ اسلمنا امرنا لله وأجرينا فحص التفاف بالمجان بمعمل استاك بالخرطوم ، على ان نعود بعد شهرين ونصف الشهر لاستلام النتيجة ، هنا سألته :
*وهل ابنك ظل بدون أية علاجات لمدة شهرين ونصف الشهر انتظارا لنتيجة فحص التفاف ؟
- فى اثناء انتظار النتيجة تدهورت حالة ابنى الصحية ، لعدم اعطائه أي علاج .
*وماذا كانت نتيجة فحص التفاف بعد شهرين ونصف الشهر؟
كانت مصيبة ، قال لى الطبيب عليك الاسراع بابنك إلى مستشفى ابو عنجة إلا ان ابنى رفض ، وفى النهاية اجبرته ، ودخل المستشفى واتضح انه مصاب بالدرن المقاوم ، وتم حجزه بالمستشفى وإخضاعه لعلاج طويل وقاسى .
*هل اكتشف الاهل اصابته بعد حجزه بمستشفى ابو عنجة؟
-من يدخل مستشفي ابو عنجة يعتقد البعض انه مصاب بالسل ، رغم ان المستشفى تستقبل ايضا مرضى الربو والالتهابات الصدرية.
*صف لنا شعورك وأنت تدخل مع ابنك المصاب بالسل مستشفى ابو عنجة؟
المعلومات التى كنا نسمعها فى السابق عن مستشفى ابو عنجة ، جعلتنى اتخوف منها ، حيث سمعنا ان المواطنين يخشون المرور بالقرب منها حتى لا تنتقل اليهم العدوى ، وأول حضورى المستشفى مرافقاً لابنى كنت لا ادخل الغرفة التى حجز فيها ، واستأجر مرافقا لمريض ، ادفع له يوميا (5) جنيهات ليقوم بخدمة ابنى داخل الغرفة ، وظللت طيلة الستة أشهر الاولى لا ادخل الغرفة التى يقيم فيها ابنى ، لكننى اخيرا توكلت على الله واضطررت لدخولها لرعاية ابنى بنفسى خاصة بعد ان اصبح غير قادر على التحرك لوحده ، ولذلك وجدت نفسى امام الامر الواقع ، فشربت المر ، وأصبحت ادخل عليه واخدمه .
*ألم تأخذ حقنة الوقاية من السل ؟
اجل اعطونى واحدة ، ورغما عن ذلك ظللت اتخوف من انتقال العدوى ، خاصة بعد مشاهدتى للمرضى ، وقد نهشهم السل وأحالهم لهياكل عظمية ،فأصبحت بين خيارين : اما ان اترك ابنى وأعود لمدينتى ، او اقف معه فى محنته وأرعاه داخل الغرفة لألبى حاجته ، وتغلب على حنان الابوة فاخترت الخيار الثانى ، وأصبحت ادخل عليه فى الغرفة ، والحمد لله الآن اقوم بكل شيء بل احمل (البصاق) للخارج .
*هل ترتدى الكمامة عند دخولك لابنك فى غرفته؟
لم ارتد الكمامة ولا مرة واحدة ، رغم اننى لاحظت أن الاختصاصيين والأطباء يرتدونها عندما يدخلون العنبر لمتابعة مرضاهم.
*ولكنك ذكرت انك نفسك كنت تخشى انتقال العدوى اليك ، ولذلك لم تدخل إلى غرفة ابنك لمدة (6) أشهر كاملة .. فلماذا تلوم اهلك لعدم زيارتهم لابنك بالمستشفى؟
لا اقصد ذلك ، ولا الوم احدا من الاسرة ، فالإنسان لابد ان يكون حريصاً على نفسه ، ولكننى الوم اخوانى وكان يمكنهم زيارتى ومقابلتى خارج المستشفى ، ولكنهم لم يفعلوا ذلك ، بل ولم يكلفوا انفسهم الاتصال هاتفياً وعندما اتصل بهم هاتفيا يقومون بإغلاق الهاتف ، ليغلقوا امامى الباب نهائيا حتى لا ازورهم فى منازلهم ، لاعتقادهم اننى طالما دخلت مستشفى ابو عنجة مع ابنى ، فلابد ان السل اصابنى ايضاً. ذلك الامر اثر كثيرا فى نفسيتى وبالأخص ابنى ، ويمكن ان تجعل مريض السل يحقد على المجتمع كله ،تماما مثل حقد مرضى الايدز .. بل ان بعض اشقائى الذين ساعدونى ماليا فى هذه المحنة علمت انهم اوصوا ابناءهم بعدم زيارتنا بالمستشفى.
مقاطعة الاهل
*هل جميع مرضى السل بالمستشفى لايزورهم احد من اهلهم ؟
-هناك قبائل معينة لاحظت انها تزور مرضاها بالمستشفى وهم من الولايات، لكن مرضى المدن ليس لديهم زوار .عموما معظم المرضى بالمستشفى من شرق السودان ودارفور ودولة الجنوب وقليل منهم من الخرطوم وبعض الولايات الاخرى.
*ذكرت ان اهلك المقربين لم يأتوا لزيارتكما بالمستشفى .... أشمل ذلك زوجة ابنك ايضا؟
- زوجته زارته لاول مرة بعد (8) أشهر من حجزه بالمستشفى بعد ان اصر عليها والدها بضرورة زيارة زوجها رغم ان ابنى كان قد رزق بطفل وهو طريح مستشفى ابو عنجة، وكان يصر على الخروج من المستشفى والسفر لرؤية ابنه، الا ان الاطباء كانوا يمنعونه، وحتى عندما حضرت زوجته وهى تحمل طفله معها تركته مع جدته خارج المستشفى الا ان زوجتى والدة ابنى ادخلته حتى يراه والده قبل ان يموت ، حسب اعتقادها ولذلك حملته له داخل العنبر ، وكان الموقف باكياً ، اذ احتضن ابنى طفله وظل يبكى بحرقة ويقوم بأحتضانه في حنان بالغ حتى انتزعناه منه انتزاعا ، وكانت تلك اول وآخر مرة يشاهد فيها ابنه.
*هل لاحظت تغييرا فى معاملة الاسرة لك؟
للأسف ، اسرتى خاصة اخوانى وإخوتى لم يقاطعوا ابنى مريض السل فقط ، بل قاموا بمقاطعتى ايضاً ، وكذلك والدته التى تأتى احيانا وتقيم معنا بالمستشفى بعض الوقت ، حتى اخوانه واخواته فى مدينتنا قاطعهم الاهل واخذوا يتجنبونهم ، وذلك لاعتقادهم ان عدوى السل انتقلت لنا جميعا ، بل ان بعض الاهل المقربين عندما احاول الاتصال بهم بالهاتف ، يقومون بقطع الاتصال ، وبعضهم قطع العلاقة بنا نهائياً ، و للأسف هذا التصرف صدر من كل الاسرة حتى المتعلمين منهم ، ومنهم اطباء يعملون فى الخارج ، جميعهم يتعاملون معنا باسلوب الخوف ، وصاروا ينفرون منا خوفا من انتقال العدوى اليهم ولأبنائهم ، مما خلف حالة من الحقد والكراهية لكل افراد الاسرة الذين تعاملوا معنا بهذا الاسلوب ، وكان يمكنهم زيارتى خارج المستشفى ولو فعلوا ذلك لكان وقعه طيبا على نفسية ابنى بل اننى اصبحت احيانا اكذب عليه ، واقول له ان فلانا جاء لزيارتك ، لكننى منعته من الدخول.
* لكن تخوف الاهل له ما يبرره اذ يخشون انتقال العدوى اليهم ؟
- اعتقد ان ذلك جهل منهم .فمعروف ان المريض بعد تعاطيه دواء السل لمدة اسبوعين لا ينقل العدوى للآخرين ، حتى السل المقاوم ، ولكن تخوفهم من المرض جعلهم يقطعون اي اتصال بنا ، للسمعة السيئة التى ترسبت فى اذهان السودانيين عن السل ، وعن مستشفى ابو عنجة ايضا كمثال على ذلك ، تحدث ابنى ذات يوم مع ابن عمه ، عبر الموبايل فقال له انا لا اسمعك ، فدعنى اتحدث انا ولتصمت انت وتسمع كلامى ، واسترجع معه صحبتهما ولقاءاتهما السابقة ، وذكره ببعض الاوقات الجميلة التى قضياها معا قبل اصابته بالسل فاخذ ابن عمه يبكى تأثرا بما سمعه من ابنى ، وأصر على الدخول اليه فى العنبر ، فاشتريت له كمامة ، وبعد انصرافه طلب منى عدم اخبار اهله بالمنزل لأنهم لو عرفوا انه زار ابنى المصاب بالسل بالمستشفى فاحتمال ان يطردوه من المنزل لاعتقادهم ان العدوى قد انتقلت له ، ايضا من الممارسات المؤلمة التى بدرت من شقيقي الاكبر ، اننى كنت اضع بعض حاجات ابنى ، بمنزله وبعد دخوله مستشفى ابو عنجة طلبوا منى باصرار اخراجها من المنزل لاعتقادهم انها قد تكون ملوثة بالسل.
* كم قضيت من الزمن بمستشفى ابو عنجة مرافقا لابنك مريض السل ؟
- امضيت بقسم الدرن المقاوم اكثر من (10) أشهر مرافقا لابني.
* هل لاحظت خلال هذه الفترة ان بعض المرضى تعالجوا وخرجوا من المستشفى اصحاء ؟
- معظم المرضى بقسم الدرن المقاوم لم يتعالج منهم احد او خرج من المستشفى بصحة جيدة ، رغم العناية التي يوليها الاطباء وادارة المستشفى للمرضى ، وانتظام العلاج والوجبات المجانية .. ومن خرج امضى فترة بالخارج ثم عادوا للمستشفى مرة اخرى ، وماتوا في القسم .
*هل توفى مرضى اثناء وجودك بالمستشفى ؟
-لا يمر اسبوع إلا ويموت مريض درن مقاوم.
الأعراض الجانبية
*هل بدأت حالة ابنك في التحسن بعد تلقيه العلاج ؟
-ابني عندما دخل مستشفي ابوعنجة، دخل برجليه وصحته العامة جيدة ، لكنه بعد (5) أشهر من تنويمه بالمستشفى ، فقد السمع بصورة نهائية ، وضعف بصره ، وتيبست رجلاه واصبح غير قادر على المشي او مد رجليه ، كما انه فقد البصر تماما لمدة ساعة كاملة إلا ان بصره عاد له ، لكنه الآن اصبح ضعيف البصر ، كل ذلك بسبب الاعراض الجانبية لعلاج الدرن المقاوم ، فهو قوي ، يؤثر حسب الاطباء على العصب السمعي.
*متى حدثت له هذه الاعراض الجانبية ؟
- بعد (9) أشهر ، كما اصيب مؤخرا بألم حاد ومتواصل في السلسلة الفقرية لدرجة انه يصرخ من الالم ، ولا ينام طيلة الليل إلا بالمسكنات ، وفقد شهيته للاكل ، يتناول نصف رغيفة في اليوم ، وأصبح يتنفس بصعوبة بالغة ولذلك يستخدم الاوكسجين الصناعي لمدة ( 20) ساعة يوميا ، بمعدل اسطوانة او أكثر في اليوم.
* ما طبيعة العلاجات التي يتعاطاها ابنك ؟
- علاج الدرن المقاوم ، طويل وقاسي يستمر لمدة اربعة وعشرين شهرا ، كل يوم (12) حبة ، (8640) حبة خلال سنتين أي (360) حبة في الشهر بجانب حقنة يوميا ، أي (720) حقنة خلال السنتين ، واشير هنا ان وزن ابني نقص بصورة مخيفة ، فعند دخوله المستشفى كان وزنه (65) كيلو ، والآن (25) كيلو فقط ، اصبح كالهيكل العظمي هكذا فعل به داء السل - حماكم الله منه.
* معلوم ان علاج الدرن يعطي للمرضى داخل المستشفى مجانا ، رغم تكلفته العالية .. فهل يحتاج المريض لعلاجات اضافية ؟
- مرض السل مكلف رغم ان العلاج مجانا ولولا الدعم الذي يأتيني من اخواني الاثنين خارج السودان ،لما استطعت الاستمرار في رعاية ابني ، فهناك صور اشعة وادوية اخرى للامراض الجانبية ، مثل آلام الظهر والرجلين ، بجانب فحص الدم والكبد والكلى ورسم القلب ، واشعة الرئتين كل هذه الفحوصات وصور الاشعة تجرى للمريض شهريا ، وتكلف حوالي (400) جنيه كل شهر في المعامل الخاصة ، وهناك مرضى فقراء غير قادرين على ذلك ، ولذلك تسوء حالتهم كثيرا .فالسل يصيب الرئة بتقرحات لدرجة ان المريض يستفرغ دما ، وهو يعطل الكبد ، ويتسبب في الفشل الكلوي ، حسب ما ذكره لنا الاطباء المعالجون ، ولذلك لابد من مراقبة كل اعضاء الجسم شهريا .. ولحجم الألم والمعاناة التي يعاني منها ابني ، اتمنى احيانا موته حتى يرتاح من كل هذا العذاب ، بل الجحيم الذي يعيش فيه ، فهو يئن ويتألم طيلة اليوم ، فاقدا للسمع والبصر والمشي.
* بما انك اكتويت بنيران السل في ابنك، فبماذا تنصح المواطنين الذين يحاولون اخفاء احد افراد العائلة المصاب بهذا المرض ؟
- يفترض معالجة المرض منذ بدايته حتى لا يتحول الى سل مقاوم يصعب علاجه ، لكن ذلك يتوقف على المريض نفسه والاهل فيجب عدم إخفاء المرض ، واعرف مرضى يتحاشون دخول مستشفى ابو عنجة للعلاج ، رغم حاجتهم لذلك ، ويباشرون العلاج داخل منازلهم ، وهذا خطأ ، فالعلاج في المنزل لا يكون منتظما ، وبذلك يتحول المرض الى سل مقاوم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.