ما بين قصة (الرسام العجوز) ومقبرة (الكاملين) رقية أبو شوك
الله سبحانه وتعالى وحده الذي يعرف مكنونات البشر ويعرف ما في القلوب.. لذا فإن أي تحليل من النفس البشرية لشخص ما، قد لا يكون حقيقة ... فالحقيقة يعرفها الله وحده وهو الذي يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء. نموت وتتحدث المجالس عن أعمالنا وربما توصف بأنها فاسدة ولكن لا يعلمون السر الحقيقي الذي يتحدثون عنه، لأن هذا الشخص قد تكون له خصائل جميلة جداً بينه وبين ربه لا يعرفها حتى آل بيته. وإليكم هذه القصة الجميلة التي وصلتني عبر (الواتساب) وهي قصة تحكي عن التسرع في الحكم على الناس ... هذه القصة تحكي عن (الرسام العجوز) : عاش رسّام عجوز في قرية صغيرة وكان يرسم لوحات غاية في الجمال ويبيعهم بسعر جيِّد. في يوم من الأيام أتاه فقير من أهل القرية وقال له: أنت تكسب مالاً كثيرًا من أعمالك، لماذا لا تساعد الفقراء في القرية ؟! انظر لجزار القرية الذي لا يملك مالاً كثيرًا ومع ذلك يوزّع كل يوم قطعاً من اللحم المجّانية على الفقراء.. - لم يردّ عليه الرسام وابتسم بهدوء - خرج الفقير منزعجًا من عند الرسّام وأشاع في القرية أن الرسام ثري ولكنه بخيل، فنقموا عليه أهل القرية.. - بعد مدّة مرض الرسّام العجوز ولم يعره أحد من أبناء القرية اهتماماً ومات وحيدًا.. - مرّت الأيّام ولاحظ أهل القرية أن الجزار لم يعد يرسل للفقراء لحماً مجّانيًا.. - وعندما سألوه عن السبب، قال: إن الرسّام العجوز الذي كان يعطيني كل شهر مبلغاً من المال لأرسل لحماً للفقراء، مات فتوقّف ذلك بموته واختتمت الرسالة بالقول : قد يسيء بعض الناس بك الظن - لا تحكم على أحد من ظاهر ما تراه منه، فقد يكون في حياته أمورًا أخرى لو علمتها لتغيَّر حكمك عليه.. يا سبحان الله أنها قصة تحكي جلائل الأعمال التي لا يحب أصحابها الحديث عنها، ولكن العامة حتماً سيعرفونها طال الزمن أو قصر بعد وفاته بعد أن تتحدث ذات المجالس عنها. اللهم أجعلنا أمثال الذين تتحدث عنهم أعمالهم بعد موتهم ولا يهم إذا تحدثوا عنا بالسيئ، لأن الصفائح الممتلئة بالأعمال الصالحة يعلمها الله سبحانه وتعالى وحده، فكم من بشر باتوا صامتون ينفقون بيمنهم ولا تعرف يسراهم ... ينفقون بلا منٍّ أو أذى ينفقون وهم يعلمون تماماً أن الله يخلفه ويزيده (وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ)، ينفقون ولسانهم يشكر رب السموات والأرض وما بينهما ... فالشكر يجعل النعمة دائمة وفى زيادة (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) وكم من موتى عرفنا عنهم الكثير الجميل بعد الموت (اللهم أجعلنا منهم). أقول هذا وفي الخاطر الخبر الذي انفردت به (المجهر) والذي يحكي عن مقبرة عمرها (75) عاماً، بالكاملين وجد بداخلها المتوفي وكأنه قد توفي اليوم، وذلك أثناء قيام الفريق الهندسي بعمله اليومي لتوسعة شارع الخرطوم مدني. ماذا نحن قائلون لهذا المشهد الجميل الذي خرج لنا بعد (75) عاماً، ليؤكد لنا أن هذا الرجل صالحاً. تحية خاصة جداً للصحفية النابهة الأستاذة (الشفاء أبو القاسم) وهي التي انفردت بالخبر لتؤكد لنا أن بالمقابر أناس لا نعلم خفاياهم، بل الله وحده العالم بذلك ... فنحن لا نزكي أنفسنا، بل الله يزكي من يشاء.