الطينة .. المحلية التي حوَّلتها الحرب إلى سوق للمخدرات وتجارة البشر تقرير- نجدة بشارة ثلة من الأطفال يجلسون القرفصاء على الرمال الحارقة، تحفهم أرض جرداء وأطلال لمنازل كانوا يسمونها بيوتنا، قبل أن تحوِّلها الحرب اللعينة إلى مجرد حطام، كان الأطفال يقهقهون في هستيريا ويخفون بين ثنايا مجلسهم أشياء ملفوفة بعناية عند اقتراب الكبار، يتجاذبون الحديث بلا مبالاة، منذ أن هجروا مقاعد الدراسة، ونظراتهم تهيم في اللا شيء، وتحكي في صمت ماسأة تعاطيهم للمخدرات. والمشهد ليس بعض رواية خيالية أو جزء من فيلم سينمائي، فأبطاله هم بعض من أطفال محلية الطينة بشمال دارفور، تلك المحلية التي كانت أكبر ميناء تجاري بعد ميناء وادي حلفا ومنطقة تجارية ضخمة وطبيعة بكر حوَّلتها الحرب إلى مجرد أطلال، وقلوب مكسورة وضحايا رحلوا في صمت وآخرين ينتظرون مصيراً مجهولاً. كيف يعيش الأطفال والنساء في المناطق المشتعلة حول العالم؟، كيف يقضون أوقاتهم وهم يبكون فقدان كل غالٍ وعزيز لديهم ؟، وكيف يتحول الأطفال إلى الضحية الأولى في الوقت الذي تنص فيه جميع المعاهدات والدساتير السياسية والدينية على عدم المساس بالمرأة والطفل مهما زادات حدة المعارك أو اشتعلت وتيرتها ؟ أنها الحرب، وتلك هي شريعتها. كانت لنا مدينة تقول الأسطورة: إن طائر (البومة) الذي عرفته بعض المعتقدات المحلية لبعض قبائل دارفور (بطائر الشؤم)، نسبة لتشاؤمهم من صوته، قد شق السكون في تلك الليلة التي أرق كبار (قرية بالطينة) وباتوا يتحدثون همساً عن مصير مقلق ومستقبل مجهول، قبل أن يصحوا على أصوات الأسلحة والرصاص. وسالت الدماء يومها غزيرة وتهدمت المباني وفرَّ أهل المحلية وتشردوا بين نازح ولاجيء. الفريق "فضل محمد" رئيس صندوق تنمية المحلية تحدث بحسرة عبر منبر مركز "أبو هيام" للخدمات الصحفية الذي نظم بالمجلس القومي للصحافة والمطبوعات، وقال: كانت لنا مدينة تعج بالحياة، حيث تقع محلية الطينة في الجزء الشمالي الغربي لولاية شمال دارفور، تجاورها دولة تشاد من الناحية الشمالية الغربية وولاية غرب دارفور من الناحية الغربية إلى جانب محليتي كبكابية والسريف من الناحية الجنوبية، ومحلية كتم من الناحية الجنوبية الشرقية ثم محلية أمبرو من الناحية الشرقية. وتبلغ مساحة الطينة حوالي (618) كلم، وتبعد عن رئاسة الولاية بحوالي (418) كلم . وتتكون المحلية من وحدتين إداريتين (الطينة وكرنوي) قبل أن تصبح كرنوي محلية قائمة بذاتها. وهناك ثلاث مناطق)، وبها حوالي (91) قرية. تمتهن المنطقة حرفة الرعي والزراعة التقليدية والتجارة التي انتعشت في سنوات ما قبل الحرب، نسبة لموقعها الحدودي مع دول الجوار، مع وجود النقاط الجمركية في كل من: الطينة وكرنوي بالإضافة للطرق الرئيسة التي تربط الطينة بمحليات الولاية المختلفة. وهي طرق ترابية وحجرية غير معبَّدة. وقد نزح مواطنو وسكان محلية الطينة إلى مدن السودان المختلفة، ودول الجوار وأصبح حوالي (60 %) من سكان الطينة لاجئين في دول الجوار وحوالي (20 %) نازحين بمدن السودان، وحوالي ( 20 %) أي ما يعادل (35) ألف نسمة عادوا إلى المحلية عبر برنامج العودة الطوعية، ويوجدون الآن حول القرى والفرقان بالطينة . فقد تم تدمير كامل البنيات التحتية بالطينة بسبب الحرب اللعينة في دارفور، وأهل الطينة هجروا المنطقة إلى دولة تشاد، حيث هم هناك في معسكر للاجئين. أطفال يتعاطون المخدرات بدأ معتمد المحلية "عمر منصور دوسة" الذي ارتسم على ملامحه الأسى وهو يسرد القصص عن المحلية والمشاكل التي خلفتها الحرب وتحديات الأمن، وقال: نعاني من انتشار المخدرات بالمحلية التي وجدت سوقاً رائجة، وتجلب المخدرات من دول الجوار النيجر والكاميرون. وقال: إن هنالك أنواع غريبة من المخدرات، تضرر منها الشباب وحتى الأطفال في مراحل الأساس يتعاطونها، وأكد أن الحرب الآن تحوَّلت إلى حرب مخدرات وتجارة البشر. وقال: رغم أنني لا أملك الآن إحصائية محددة إلا أننا قبضنا على أجانب من تجار البشر. تحديات أمنية يقول "منصور": إن المحلية كانت وكراً للحركات المسلحة نسبة لقربها من الحدود التشادية والليبية والنيجر، وأنها أكثر منطقة تأثرت بالحرب. ويرى أن القوات المشتركة التي أنشئت بموجب اتفاق من قبل رئاسة الجمهورية السودانية والتشادية، قد قللت من نشاط الحركات فأصبحت الآن المنطقة آمنة، وتنعم بالاستقرار، رغم أن هنالك انتشاراً للأسلحة بيد المواطنين. تهديد بتغيير المنهج الدراسي إلى فرنسي وكشف "منصور" عن تهديد تلقته محليته من حكومة تشاد بتحويل المنهج الدراسي لطلاب الأساس والثانوي الذي يدرسه اللاجئون السودانيون في المعسكرات إلى المنهج الفرنسي، وإخضاع (857) ألف طالب لقوانين الدولة التشادية بخصوص الدراسة. من جانبه أوضح نائب رئيس التنمية بالمحلية "شريف شايبو"، أن القانون الدولى يحدد خمس سنوات للاجئين كفترة إقامة، قبل أن تُحوَّل معاملته من لاجيء بتطبيق قانون الدولة التي لجأ إليها. وقال: إن الطلاب السودانيين يدرسون بمدارس تشاد التي تبعد حوالي (3) إلى (5) كيلومترات من المحلية، وأكد أن حكومة المحلية أجرت معالجات بإقامة مدارس بالمحلية، حوالي (8) مدرسة تسع (800) طالب، إلا أن المسافة التي تبعد من المعسكر عن المحلية، قللت من نسبة التحصيل التعليمي، وأدت إلى تدني التعليم. وعبَّر المعتمد عن حاجتهم إلى الإجلاس إلى حوالي (80) فصلاً على الأقل. وقال: إن هنالك كثيراً من الفاقد التربوي بسبب هجرة الأطفال إلى مناطق التنقيب عن الذهب. رسوم تحصيل وهمية انتشرت في معظم محليات دارفور مشاكل قطاع الطرق ومساهمتهم في ارتفاع الغلاء بلجوء قطاع الطرق إلى إقامة معابر وهمية وفرض رسوم على البضائع القادمة من المركز، وأكد "منصور" أن هنالك (14) مليون يدفعها التجار لقطاع الطرق على شحنات البضائع، الشيء الذي يؤدي بدوره إلى خصم هذه الفروقات من المواطن. تحديات الإعمار يرى الفريق "فضل" أن هنالك الكثير من التحديات التي تواجه الولاية في جانب الإعمار. وقال: إن الصندوق نفذ عدداً من المشروعات بدعم من رئاسة الجمهورية، وعقب طلبهم للنجدة من المركز وزيارة النائب الأول للرئيس "حسبو". وتم حفر عدد (6) حفائر وآبار دونكي بتكلفة (700) ألف لكل بئر. وقال المعتمد : إن هنالك نقصاً كبيراً في الموارد المالية بالمحلية (الولاية تعاني من ديون كبيرة). وقال: إن رئاسة الجمهورية وعدت بدعم الصندوق بجنيه مقابل كل جنيه يأتي من نفير أبناء المنطقة. وقال: نحن بصدد إقامة نفرة كبرى خلال الأيام القادمة لدعم وإعمار المنطقة من الحكومة وأبناء المنطقة بالداخل والخارج . وأردف قائلاً:" لا نبحث عن ترفيه، بل عن أبسط مقومات الحياة ".