غياب الرؤية الإستراتيجية والاستفراد بالرأي، سبب رئيس لحالة التوهان التي تعتري المشهد السياسي.. د. كمال عبيد رئيس وفد التفاوض مع (قطاع الشمال) يقول إننا لن نفاوض أي جسم بهذا الاسم ولا نعترف بأي كيان بهذا الاسم، وهذا موقف يتماهى مع موقف غالبية الرأي العام ومؤسساته المعتبرة، مثل هيئة علماء السودان، وأئمة المساجد، وكتلة المؤتمر الوطني في البرلمان وهي تمثل الغالبية العظمى من أعضاء البرلمان.. لكن د. نافع على نافع مساعد رئيس الجمهورية يقول في (بوح) خاص ولقاء (مكاشفة) مع قيادات تنظيمية شبابية في معسكر بالعيلفون، إن موافقة الحكومة على التفاوض مع قطاع الشمال جاء بسبب الضغوط الخارجية والظروف الاقتصادية، ووصف نافع التفاوض مع قطاع الشمال بأنه مجرد استهلاك للوقت.. (بوح) نافع يتعارض ويتناقض مع تصريحات كمال عبيد!! لكنه يتماهى مع موقف الرأي الرسمي القاضي بالتعامل مع قرار مجلس الأمن (الماسورة) رقم (2046) الذي ألزم الحكومة بالتفاوض مع قطاع الشمال.. قد يقول قائل آخر إن سبب غياب الرؤية الإستراتيجية أخفى حالة من (الفزع) والخوف الهستيري من النادي الأمريكي الذي يسمى زوراً (المجتمع) الدولي.. سأوافق ذلك القائل الرأي، ولكن أضيف إن حالة (الفزع) من النادي الأمريكي، لأن بوصلة التعاطي معه غائبة ولا وجود للبوصلة في ظل عدم وجود الرؤية الإستراتيجية.. بالمناسبة أين اللجنة المكلفة بوضع رؤية إستراتيجية للتعامل مع دولة الجنوب، وقد تنبهت الحكومة بعد خراب مالطا واحتلال هجليج؟! صحيح أن هناك مهددات خارجية جدية للنظام في السودان؛ لكن أكبر مهدد اليوم هو التقويض من الداخل والتدهور المستمر في الروح المعنوية بسبب التخبط والارتباك.. الظاهر والماثل للعيان أن معين الحلول الذكية والمبتكرة لمشكلات البلاد المعقدة قد نضب لدى كابينة قيادة السلطة.. ستبقى الولاياتالمتحدةالأمريكية دولة صاحبة جبروت في المستقبل المنظور على الأقل، وهي تجاهر برغبتها في إسقاط النظام في الخرطوم، ولم يُجد انفصال الجنوب فتيلاً، فرغم تحقيق تلك الرغبة الجامحة لواشنطن إلا أن ذلك لم يكن إلا هدفاً مرحلياً.. واشنطن أفشلت مؤتمر أصدقاء السودان الذي كان مزمع عقده في تركيا مارس الماضي، وأعلنت نيتها صراحة إفشال ذلك المؤتمر الهادف لدعم السودان ومساعدته على حل مشاكله.. كابينة القيادة الحالية قدمت كل ما لديها واليوم تقف عاجزة عن تقديم كل ما هو مبتكر وجديد لمواجهة المشاكل العويصة والمعضلات التي تمسك بتلابيب الوطن. الإستراتيجية الأمريكية بشأن السودان لم تتغير منذ عقود طويلة، وإن تعددت الشعارات أو تنوّعت الأساليب وأشكال التعبئة الإعلامية والنفسية والذهنية للرأي العام العالمي بمؤسساته ومنظماته ومكوّناته المختلفة. والمتابع للسياسة الغربية تجاه السودان خلال السنوات الماضية، يجد أنها اعتمدت سياسة إشغال واستنزاف وابتزاز لم تتوقف. فما أن تهدأ جبهة مواجهة حتى تفتح له جبهة أخرى، كي ينصرف عن الاهتمام بالتنمية والتطور وامتلاك أسباب القوة.. تمد الولاياتالمتحدةالأمريكية الجزرة للسودان في حالات معينة، وبعض القيادات تظن أن في الأمر تحولاً جذرياً في سياسة واشنطن تجاه السودان.. قبيل انفصال الجنوب وإجراء الاستفتاء الكارثي، قام جون كيري رئيس لجنة العلاقات الخارجية بالكونغرس الأمريكي بزيارات مكوكية للخرطوم، وكان حاله حال من (يعطيك من طرف اللسان حلاوة ويروغ منك كما يروغ الثعلب).. بعض القيادات لم تستطع إخفاء سعادتها بزيارات كيري المكوكية وإطرائه على مواقف الحكومة السودانية.. مهمة كيري كانت أن يربّت على كتف الحكومة حتى يقع الانفصال.. واليوم يشيد الرئيس باراك أوباما بالرئيسين البشير وسلفا كير لاتفاقهما حول النفط، فيما تخفي هيلاري كلينتون كل خبثها وراء ابتسامات وزعتها قبل أيام وهي تدعو جوباوالخرطوم للاتفاق حول النفط.. كيري من قبل أشاد بحكمة الرئيس البشير ولوح برفع اسم السودان من قائمة الإرهاب.. كل ذلك كان ضحكاً على الذقون و(استهبالاً) مكشوفاً لأصحاب البصيرة. • آخر الكلام: ستعرف بعد رحيل العمر أنك كنت تطارد خيط دخان