بصرف النظر عن تفاصيل ما جري وما يجري فى جوبا، وما هو مُتوقَع فى المستقبل القريب بشأن احتمال غياب الرئيس الجنوبي سلفا كير ميارديت بإنقلاب عسكري أو تغيير سلس، فإن كل هذه الفرضيات يصعب، بل ويستحيل تصوُّرها بعيداً عن الأيادي الأمريكية، سواء كانت هنالك أيدي أخري أو لم تكن؛ وقد حصلت (سودان سفاري) من مصادرها الخاصة فى العاصمة الأمريكيةواشنطن على ما أسمته المصادر (مؤشرات) أسهمت – كلٍ على حدا – ومن ثم مجتمعة فى تبلور رأى استخباري فحواه أن الرئيس كير لم يعد ممكناً أن يترأس الحكومة الجنوبية. وتشير المتابعات أن السيدة رايس سفيرة واشنطن فى مجلس الأمن الموكل إليها رسمياً ملف الحكومة الجنوبية أشارت فى عجالة لمجموعة مسئولين أمريكيين كانوا يتشاورون حول الأمر الى أنّ الرئيس الجنوبي (لا يملك الرؤية المناسبة لقيادة المرحلة الراهنة والمقبلة). وأوضحت رايس عدداً من المثالب على الرئيس سلفا كير ميارديت فى مقدمتها أنه (بدا أقل طموحاً من مرؤوسيه)، الأمر الذى أسهم فى عرقلة العديد من التحركات التى كانت من الممكن أن تدفع البلاد نحو الأمام، و أوردت مثالاً واحداً على ذلك – من مجموعة أمثلة احتفظت بها – تمثل فى محاولته التخلص من باقان أموم قبل أسابيع حين أقصاه من أىّ منصب سياسي أو حكومي وإضطررنا – مشيرة الى واشنطن – لإعادته عبر اتصال هاتفي عاجل. وأضافت رايس، كنت مندهشة فى الحالتين، فلا هو برّر قرار الإقصاء كما كنتُ أرجو وأتوقع، ولا هو وافق على قرار الإرجاع بمنطقه هو، وليس استجابة لتوجيهاتي! ثم أوردت رايس تراجعه عن قبول الاتفاق الذى تم فى أديس أبابا بشأن سعر ترحيل النفط فى حضور الرؤساء أمبيكي والرئيس الإثيوبي ميليس زناوي، فقد بدا - كما قالت رايس - (متردداً) بصورة مريعة لا تشبه القادة والرؤساء! وقاد هذا الموقف لإظهار الحكومة الجنوبية بمظهر غير لائق! مثال آخر فى إتجاه آخر قالت رايس أنه كان قاصمة ظهر، وهو إجتياحه المفاجئ لمنطقة هجليج مما إضطرنا – وتعني واشنطن – لإدانة الحكومة الجنوبية كأمر حتمي بإعتباره عملاً عدائياً يصادم ميثاق المنظمة الدولية (لا وقت لدينا لمجاراته) ونحن لا نعلم الحكمة من وراءه! كما لم نكن نعبأ -تضيف رايس- لتلك الهزيمة التى كانت محتومة لجيشه الشعبي الذى احتلّ هجليج، فقد كان عليه أن يتحمّل خطؤه القاتل وحده. مسئول آخر قال إن الرئيس كير عقب اجتياحه لهجليج تلقي مهاتفة شخصية من الرئيس أوباما (بضرورة تحسين علاقاته مع السودان وأن يلتزم جانب التفاوض والحوار بعيداً عن التصعيد). وأضاف المسئول الأمريكي إن الإدارة الأمريكية صُعِقت حين بدا لها أن الرئيس الجنوبي يحاول إقناع المسئولين الأمريكيين بصحة الخطوة التى قام بها، وحينها أضطر الرئيس أوباما – دون أن يضيِّع أى وقت – لتذكيره بأنه (يخاطب رئيس الولاياتالمتحدة)! وهكذا تضافرت هذه المؤشرات المتفرقة لتشكل منظومة هواجس للولايات المتحدة إزاء حكومة الجنوب التى لم تهتمّ كثيراً وهى قبالة بناء دولة الى تحديات البناء وكيفية انجاز هذا البناء بعيداً عن النزاعات والأزمات. وتشير المصادر الى أن هذه الأسباب جعلت الإدارة الأمريكية تساير موجة بدأت تتبلور للإطاحة بالرئيس سلفا كير ميارديت، فالرجل كان بديلاً للقائد الراحل فى وقت ما كان من الممكن أن يُفتح فيه الباب لصراعات على القيادة واتفاقية السلام كانت تضع أولي خطواتها على أرض التطبيق، وتعتقد واشنطن إن قيام الدولة الجنوبية يمكن أن يحقق لها أهدافاً ومصالحاً، ولكن ليس على طريقة الحكومة الجنوبية التى يقودها الرئيس كير، حيث تغيب الخطط والأولويات وتخضع الأمور الى حسابات غير واقعية، ومن المؤكد أن الحركة الشعبية التى تقود الدولة الجنوبية تجد الآن فى نفسها حاجة عاجلة لإعادة ترتيب أولوياتها ومعالجة مكامن الخلل، فهناك من انتهت فترة صلاحيتهم السياسية، وهناك من لم يعد لهم ما يقدمونه، وقد ضاقت بهم واشنطن ذرعاً!