بطاقة دخول إلى عالم البوليس السرِّي مصطفى أبو العزائم تاريخ الشرطة السودانية قديم، وربما يكون السودان قد عرف قوات حفظ الأمن الداخلي منذ قيام ونشأة الممالك القديمة في كوش ومروي وعلوة والمغرة والسلطنة الزرقاء، لكن الشرطة الحديثة بمفهومها المدني العام ربما نشأت مع دخول "إسماعيل باشا" للسودان أول بدايات الغزو التركي في العام 1821م، وقد عرفت وقتها بالجهادية والباشبوزق – رجال الباشا – وكان أول مدير أو قائد لقوات الباشبوزق هو الملك "شاويش"، وقصته معروفة إذ حاول الحفاظ على أرض أجداده وأهله وقبل العمل مع الأتراك بعد هزيمته في معركة "كورتي"، وكانت مهمة قواته الجديدة هي حفظ النظام وجمع الضرائب والوقوف على تنفيذ سياسات الحكومة وتأمين الطرق وغير ذلك من مهام الشرطة في ذلك الوقت. الشرطة السودانية الحديثة والتي كانت تعرف باسم بوليس السودان نشأت بعد غروب شمس الدولة المهدية في 1898م، وقام حاكم عام السودان "ونجت باشا" بتأسيس بوليس المديريات ولعبت الشرطة أدواراً مهمة في تاريخ السودان وفي الحركة الوطنية رغم ما كان يبدو من تناقض في واجباتها التي قد تتعارض مع إحساسها وروح رجالها الوطنية، ودعمهم غير المحدود وغير المباشر للحركة الوطنية – لكنها أخذت تسير بخطى واسعة في طريق التقدم عقب نيل السودان لاستقلاله في العام 1956م، فقد تطورت الوسائل والأساليب الشرطية في مكافحة الجريمة ومنعها كما تطورت الإمكانات بصورة عامة وتم تدعيم القدرات البشرية من خلال التدريب والتأهيل وتوفير المعدات والمعينات والآليات والأجهزة المتطورة، مما جعل الشرطة السودانية واحدة من الأميز على مستوى القارة والإقليم. التطور لا تخطئه العين خاصة في مجالات الخدمات العامة وكشف الجريمة ومنعها أيضاً، ففي جانب الخدمات يقف الجواز الإلكتروني أحد أكبر الإنجازات التقنية التي تعمل على تأمين الهوية السودانية والبعد بها عن دوائر التزييف والغش والخداع، كما تطورت المعامل الجنائية بما يجعل الشرطة السودانية واحدة من أقوى قوات الشرطة في مجالات كشف الجريمة باستخدام الوسائل العلمية المتقدمة، وفحص الحامض النووي ال(دي إن أيه) مع استخدام أعلى تقنيات الصورة والصوت الرقمية لتحديد هوية الجناة والمجني عليهم، إضافة إلى الإحصاء العلمي الإلكتروني وقواعد البيانات المهمة وهو ما جعل السودان مركزاً إقليمياً للمعامل الجنائية. سبق لنا من قبل زيارة تلك المعامل الجنائية منذ نحو عام تقريباً، مثلما يسرت لنا ظروف خاصة الوقوف على أعظم الإنجازات الطبية في الشرطة متمثلة في مستشفى اللواء "عمر مساوي" وقبل ذلك جامعة الرباط، وكلية علوم الشرطة والقانون، ومشروع النجدة، غير الخدمات الاجتماعية وطيران الشرطة وإعلام الشرطة اليقظ المتمثل في إذاعة ساهرون والمكتب الصحفي والاستوديوهات التلفزيونية. علاقة صاحبكم بالشرطة قديمة، فهو قد تشرف بعضوية المجلس الاستشاري لوزارة الداخلية في عهد الوزير الحالي السيد الفريق "عصمت عبد الرحمن"، العلاقة قديمة لأن أحد الأشقاء وعدد من الأصهار المباشرين والأصدقاء المقربين كانوا هم المدخل إلى هذا العالم المنضبط، لذلك يمكننا القول بأننا شهود لكثير من التطورات في مجالات الرقابة الإلكترونية والسجون والسجل المدني والخدمات المتصلة بكل الأوراق الثبوتية والرسمية من الرقم الوطني حتى تأشيرات الخروج. نجحت الشرطة خلال عامين تقريباً أو أقل قليلاً من احتضان أكثر من مفاجأة وأذكر تماماً خطاباً للفريق أول شرطة "هاشم عثمان الحسين" عام 2015م، أمام احتفال تدشين أحد مباني شرطة المرور، قال فيه إن العام 2015م، سيكون عام تطوير الشرطة في الخدمات الجنائية والتدريب والعمل التقني والأمني ومشروعات بسط الأمن الشامل. كنا نعرف أن الشرطة إذا وعدت أوفت، وإذا قالت فعلت، لكننا ما كنا نتوقع أن يتم اختصار الزمن والجهد والمال لتقف ثلاثة مجمعات ضخمة تضم كافة الأنشطة الشرطية الخدمية المقدمة للمواطن، من نافذة واحدة داخل تلك المجمعات القائمة الآن بمعدل مجمع في كل من الخرطوم وأم درمان والخرطوم بحري لتقدم خدماتها لكل الناس في وقت وجيز. نعم.. حدث ذلك ونحن نمر كل يوم ببعض تلك المجمعات ولا نعرف ما يجري داخلها إلى أن قمنا بتلبية دعوة كريمة من إعلام الشرطة ضمن مجموعة من الزملاء رؤساء التحرير والكُتاب والصحفيين لزيارة مجمع خدمات الخرطوم بحري، وهو يقع في محل (القشلاق القديم).. لنفاجأ بما لم نكن نتوقع وما لم نكن نحلم حقيقة. نجحت الشرطة السودانية في أن أخفت عن عيوننا كل تلك الإنجازات التي تمت في ثمانية عشر شهراً، لتفاجئنا بأن وراء الأسوار ما وراءها من أسرار.. مبروك.