لجان مقاومة النهود : مليشيا الدعم السريع استباحت المدينة وارتكبت جرائم قتل بدم بارد بحق مواطنين    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    جامعة ابن سينا تصدم الطلاب.. جامعات السوق الأسود والسمسرة    من رئاسة المحلية.. الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع يعلن تحرير النهود (فيديو)    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    بحضور عقار.. رئيس مجلس السيادة يعتمد نتيجة امتحانات الشهادة السودانية للدفعة المؤجلة للعام 2023م    إعلان نتيجة الشهادة السودانية الدفعة المؤجلة 2023 بنسبة نجاح عامة 69%    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    احتجز معتقلين في حاويات.. تقرير أممي يدين "انتهاكات مروعة" للجيش السوداني    هجوم المليشيا علي النهود هدفه نهب وسرقة خيرات هذه المنطقة الغنية    عبد العاطي يؤكد على دعم مصر الكامل لأمن واستقرار ووحدة السودان وسلامة أراضيه    منتخب الشباب يختتم تحضيراته وبعثته تغادر فجرا الى عسلاية    اشراقة بطلاً لكاس السوبر بالقضارف    المريخ يواصل تحضيراته للقاء انتر نواكشوط    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"جبل عامر" بين حديث الفريق "عصمت" وزير الداخلية ونفي "حميدتي" و"موسى هلال"
نشر في المجهر السياسي يوم 14 - 01 - 2017

هل يفجر الذهب الأصفر صراعاً في السودان داخل المنظومة الحاكمة؟؟
دموع وزير العدل لن تغسل آثار الفساد بالخرطوم
حديث السبت
يوسف عبد المنان
في يوم اكتشافات البترول بكميات تجارية في أعالي النيل وولاية الوحدة وبدء تدفق الدولار في خزانة المالية، وقد عمت الأفراح والليالي الملاح في وسط حكومة السودان، وأصبح د."عوض الجاز" أسطورة في نظر البعض ورجلاً خارقاً وهو يدير ملف البترول بعقلية أمنية، في ذلك الوقت سأل الدكتور "حسن الترابي" عن أثر البترول على الصراع بين الشمال والجنوب، وبطريقته الصادمة وابتسامته الساحرة رمي "الترابي" بحجر في بئر البترول المشعة دولاراً ويورو، وقال: (أخشى أن يسود النفط الأسود قلوب السودانيين مثلما فعل في نيجيريا ويصبح البترول نقمة علينا)، وامتعض الحكام من قول "الترابي" الذي كان ينظر للأشياء على أنها ليست أشياء، كأنه على يقين من صدق الشاعر "الفيتوري" الذي قال (الغافل من ظن الأشياء هي الأشياء).. ومضت سنوات على اتفاقية الخرطوم للسلام التي وقعت عام 1997م مع المنشقين من الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة د. "رياك مشار"، واستثمرت الحكومة في السلام الذي تحقق في أعالي النيل الكبرى وخرج النفط الأسود من باطن الأرض بفضل طرد مقاتلي النوير لفرقائهم في الحركة الشعبية، لكن الحكومة لم تحافظ على د."مشار" وأرغمته على العودة مرة أخرى ليقاتل إلى صف "جون قرنق دمبيور" وأهدرت بذلك فرصة تاريخية لتحالف النوير والإسلاميين في مواجهة تحالف "قرنق" والطائفيين.. ولو قدر للإسلاميين الاحتمال والصبر على مطلوبات د. "مشار" لما انفصل الجنوب اليوم، لكن إدارة ملف الجنوب حينذاك بعيداً عن الرؤية السياسية وغلبة التكتيكات الظرفية على الرؤى الإستراتجية أضاعت وطناً، وأي وطن ضاع بالأمس منا.
إذا كانت لعنة النفط قد مزقت السودان لدولتين، اليوم يطل الذهب الأصفر في الساحة الاقتصادية وتلوح بوادر صراعات حوله حتى داخل المنظومة الحاكمة التي ظلت متماسكة لسنوات طويلة، ولكن حينما تتضارب تصريحات القوى التي تحمل السلاح، فإن نذر الأخطار تلوح في الأفق القريب، وقد أثار الفريق "عصمت عبد الرحمن" وزير الداخلية بحديثه أمام البرلمان موجة استياء وسط بعض قيادات دارفور، الشيء الذي أرغم قوات الدعم السريع لنفي حديث الوزير.. ووقف الشيخ "موسى هلال" بالقرب من اللواء "حميدتي" منافحاً عن منجم جبل عامر الذي يعدّ أغنى قطعة أرض بالذهب في السودان، ووزير الداخلية طلب منه النائب البرلماني اللواء (م) "آدم حامد" نائب دائرة "السريف بني حسين" التي تضم جبل عامر الإجابة عن سؤال عن من يسيطر على جبل عامر؟ والوزير يعقد اجتماعاً أو اجتماعات بهيئة قيادة الوزارة التي تكتب رداً على سؤال العضو البرلماني، وحينما يتحدث الفريق "عصمت عبد الرحمن"، وهو اسم له بريق وتاريخ في القوات المسلحة منذ أن كان قائداً للقيادة الغربية بالفاشر، وحتى منصب رئيس أركان القوات السودانية لعدة سنوات، وهو ضابط قومي التوجه لم تطأ أقدامه حوش المؤتمر الوطني.. حينما يتحدث "عصمت" فإنه يتحدث عن معرفة إلا إذا كان لحديثه أبعاد أخرى غير المعاني المباشرة، وأن يحدد "عصمت" عدد (3) آلاف أجنبي بجبل عامر بيدهم أسلحة متطورة تتطلب تدخل القوات المسلحة لإبعادهم عن المنطقة، فإن وزير الداخلية يرمي بحجر كبير في بركة ساكنة، لكنه حجر يسقط في (السهلة) لأن حقائق الواقع على الأرض تقول إن بجبل عامر قوات شرطة تحفظ الأمن وقوات دعم سريع تحمي المواطنين من أي هجوم من قبل التمرد الموجود في بعض الجيوب بوادي هور شمال غرب الولاية.. وبجبل عامر حكومة مدنية بقيادة معتمد محلية السريف، فأين يوجد الثلاثة آلاف أجنبي؟؟ إذا قال إن هناك أجانب يعملون في مناجم الذهب من المدنيين، فإن ذلك قد يكون حديثاً فيه شيء من المصداقية لأن كل مناجم الذهب بها إثيوبيون وأثيوبيات ومصريون وأتراك وتشاديون وإريتريون.. فالسودان دولة لها امتدادات اجتماعية متداخلة مع دول الجوار.. أما أن يبلغ العدد (3) آلاف أجنبي، فتلك قصة أخرى.
الواقع بكل أسف يكذب حديث الوزير الكبير، وقد وجد القائد "محمد حمدان حميدتي" نفسه مجبراً على الحديث جهراً والدفاع عن أمن البلاد وسمعتها بنفي حديث الوزير.. وقوات الدعم السريع التي أجاز البرلمان قانونها بالأغلبية وأصبحت قوة ينظمها القانون تحت قيادة القائد الأعلى للجيش، هي من يتحمل اليوم أعباء مطاردة عصابات تهريب البشر أو ما يعرف (بتجارة البشر)، واستطاعت هذه القوات البقاء في قلب الصحراء ومطاردة العصابات على الحدود بين السودان وليبيا، وألقت القبض على المئات منهم وسلمتهم لوزارة الداخلية، وقوات الدعم السريع قطعت الطريق أمام تسلل المتطرفين الإسلاميين من ليبيا إلى داخل دارفور، وحالت دون دخول حركة "بوكو حرام" المتطرفة إلى داخل السودان، وتنفيذ عملياتها.
في هذا المناخ، فإن إثارة قضية منجم جبل عامر الغني بالذهب يثير التساؤلات.. هل قصد الوزير "عصمت" عرقلة إجازة قانون قوات الدعم السريع؟؟ أم أن الوزير أعطى أذنيه لأحاديث ومواقف بعض الشخصيات الدارفورية التي ترفض بقاء قوات الدعم السريع على قيد الحياة؟؟ وأكثر ما أثار الريبة والشكوك حديث الجنرال "الهادي آدم حامد" نائب دائرة "السريف بني حسين" في المجلس الوطني وهو يحاول تغطية قرص الشمس في نهار الخرطوم بيده الواحدة.. ويسعى في حديثه للزميلة (السوداني) إلى إسباغ حديث وزير الداخلية بالصدقية ويحدد بالإشارة وجود أجنبي واحد في جبل عامر.. الجنرال "الهادي آدم حامد" يعلم أكثر من وزير الداخلية وأكثر من اللواء "حميدتي" نفسه، لأنه ابن المنطقة وانتخبته ليمثلها في البرلمان، يعلم أن جبل عامر خال تماماً من أي وجود مسلح لأجانب وأن الشرطة وقوات حرس الحدود التي كان يقودها اللواء "الهادي" حتى قبل تقاعده هي التي تحرس جبل عامر، ولو سأل اللواء"آدم حامد" دفعته اللواء "ياسر العطا" لوجد عنده الخبر اليقين.. وهو أصلاً عالم بكل شيء، ولكنه آثر أن يتحدث بنبرة مناصرة لحديث وزير الداخلية.. فهل استقى الفريق "عصمت" بعض معلوماته من الجنرال "الهادي آدم حامد" الذي كان في لجة معمعة الصراع والحرب الدموية التي وقعت في جبل عامر قبل سنوات من الآن.. ولا تزال آثار تلك الحرب باقية في نفوس مواطنين أبرياء وجدوا أنفسهم فجأة في لجة صراعات حول الذهب.
وكان الشيخ "موسى هلال" زعيم عشيرة المحاميد قد أثار حديثاً غاضباً عند زيارة وزير المعادن السابق "كمال عبد اللطيف" لمنطقة جبل عامر برفقة "عثمان يوسف كبر"، وحينها جرت مساجلات على صفحات الصحف بين "موسى هلال" الذي أخذ لنفسه موقفاً بعيداً عن الحكومة والمؤتمر الوطني الذي منحه مقعداً في البرلمان القومي، واتهم "موسى هلال" وقتذاك الوالي "عثمان كبر" بالنفخ في أشرعة النزاع بجبل عامر.. واختار اللواء "الهادي آدم حامد" الوقوف أمام وخلف "كبر" لينال ثقته ويتم تعيينه في منصب المعتمد، لكنه لم يبق في المنصب طويلاً بسبب تناقض موقفه ومواقف مواطني "السريف بني حسين"، الذين لا ناقة لهم ولا جمل في الصراع بجبل عامر، بل مصلحتهم في استقرار الأوضاع الأمنية ودخول شركات وطنية أو أجنبية في أعمال التنقيب عن الذهب لتنال المحلية نصيبها من التنمية.. وبعد تولي قوات الدعم السريع مسؤولية الأمن بالمنطقة، شهدت حتى قرية اللواء "الهادي آدم حامد" تشييد مدرسة ومركز صحي، وقدم اللواء "حميدتي" دعماً كبيراً لصالح التنمية والاستقرار في المنطقة.
وحتى ناظر "البني حسين" يمتطي سيارة قدمتها له قوات الدعم السريع ضمن عدد من زعماء الإدارة الأهلية في دارفور، وناظر البني حسين لو تحدث اليوم لصمت الفريق "عصمت" ومن قبله اللواء "الهادي آدم حامد"، لأن وجود قوات أجنبية في جبل عامر فرية كبيرة دحضها الشيخ "موسى هلال" أيضاً الذي تحدث بصراحة ووضوح ووقف مع الحقيقة.
لكن الذهب الأصفر مدعاة للتنافس وتكالب أصحاب المصالح.. في كل زمان ومكان وليس جبل عامر وحده.. وقد اكتشف الذهب فجأة بعد أن نضب البترول أو انخفضت عائداته، وبدأت عائدات الذهب تغذي الخزانة العامة بأقل من (5%) من الذهب المستخرج.. وقد شهد عاما 2012 و2013م تصدير السودان ل(47) طناً من الذهب كأعلى نسبة في تاريخ البلاد وفي تلك الفترة كان وزير المعادن هو "كمال عبد اللطيف".. لكن إنتاج السودان من الذهب أخذ يتسرب عبر مطار الخرطوم ومن خلال الحدود المفتوحة مع بلدان الجوار.. وأخذ صادر الذهب في التدني والانخفاض التدريجي من (47) طناً إلى (17) طناً حتى سبتمبر الماضي، فهل انخفاض صادر الذهب بسبب قلة الإنتاج أم للتهريب الذي ينخر في جسد الاقتصاد الوطني حتى أقعده عن النهوض؟؟
حينما اتخذت الحكومة قراراً بدخول البنك المركزي كمشترٍ للذهب للحد من التهريب، كان لمحافظ بنك السودان السابق "عبد الرحمن حسن" رأي مغاير.. المحافظ الذي تم إعفاؤه الشهر الماضي بسبب تباطؤ البنك المركزي في شراء الذهب من المعدنين، ورفض تنفيذ توجيهات القيادة بإلزام البنوك التجارية بتحديد نسبة محددة من التمويل الأصغر لصالح القطاعات الفقيرة، دفع في نهاية الأمر ثمن مواقفه غير المبررة، التي تساعد في تهريب الذهب إلى الإمارات ومصر وليبيا وتشاد، لأن المعروض من أسعار للبنك المركزي غير واقعية مثل سياسات تحفيز المغتربين على التحويل عبر المصارف.. فمنذ إعلان تلك السياسات وحتى اليوم لم تحصد خزانة الدولة ألف دولار من تحويلات المغتربين.. وبذلك تصبح قضية الذهب في السودان ذات أبعاد سياسية واجتماعية وأمنية، وما يثار عن جبل عامر في شمال دارفور لا ينفصل عن هذا وذاك.
{ دموع الوزير
جاء في أخبار (الخميس) الماضي أن وزير العدل د."عوض حسن النور" خذلته دموعه وذرف منها الثخين حتى استعصى عليه تقديم رئيس الجمهورية. وكان وزير العدل يتحدث للعاملين في وزارته حديث المودع لمنصبه ومقعده.. وقد طلب الوزير من العاملين في الوزارة أن يعفوا عنه بسبب المشقة التي لحقت بهم معه.. وتبع الوزير رهط من التابعين والتابعات، موظفي مكتبه والموظفات وبعض المستشارين المرتبطين بالوزير، فأصبح المكان مأتماً وعويلاً في مشهد لا تجده إلا في هذا البلد الذي بدلاً عن مسح المسؤولين دموع الباكيات، هم أنفسهم يبكون، كل له أسبابه الخاصة، وإذا كان د. "عوض حسن النور" الذي نحسبه من الذين لا يذرفون دمعاً من أجل كرسي سلطة قد رق قلبه لمن كان رفيق رحلته القصيرة في دهاليز الوزارة الكبيرة، فإن مسؤولين آخرين قد سبقوه بالبكاء على الأطلال مثل "كمال عبد اللطيف" الذي خاطب موظفي وزارة المعادن يوم خروجه منها مرغماً، ففاضت دموع الوزير جداول تسقي ثيابه الأنيقة المعطرة.. وحينما بكى البروفيسور "إبراهيم غندور" لانقسام السودان لدولتين وذهاب الجنوب لسبيله، كانت دموع حزن عميق مقابل دموع فرح ونشوة للانفصاليين الشماليين من أمثال المهندس "الطيب مصطفى" و(تابعه) الفريق غير الرشيد وهما يذرفان دموع الفرحة بانقسام السودان لبلدين.. وفي تلك الأيام ظهرت موضة ثياب نسائية (دموع غندور) ثوب سويسري ملون بالأبيض والأسود.. وتسابقت النساء للفوز به في ذلك الوقت، مع أن "غندور" قد يبكي هذه الأيام وأحد منسوبي وزارته يتهم في نيويورك بالتحرش جنسياً بامرأة في قطار عام.. من أين تأتي الخارجية بأمثال هؤلاء، الذين يمثلون ببلادنا وقد جاءت بهم (الوساطات) والدروب الملتوية؟ وإذا كان الوزراء يذرفون الدموع فإن نساء كثر جفت الدموع في مآقيهن منذ سنوات طويلة.. وتحجرت مشاعرهن.. وحتى خبر موت محبوس في السجن بسبب (6) آلاف جنيه، لم تذرف له وزيرة الرعاية الاجتماعية "مشاعر الدولب" دمعة واحدة وهي كانت في بواكير شبابها لبنة القلب تكتب الشعر، وتقتسم لقمة الخبز مع زميلاتها في الكلية.. لكن ولوجها ساحات الوظيفة التنفيذية جفف من قلبها فيض الحنين ومشاعر الإنسان الرقيق الذي يذوب عطفاً وحناناً على الفقير.. ولا تزال دموع أحد الموظفين من أبناء جنوب كردفان تنهمر حينما تذكر قصة (الشهيد) "عابدين أبو زلازل" الذي مات بالحسرة والدموع وهو يتنقل من سجن لآخر بسبب تنفيذه مشروعات تنموية مدارس ومراكز صحية بجنوب كردفان، وفشلت الحكومة في الوفاء بالتزاماتها.. فأودعه تجار الحديد والأسمنت غياهب السجون وبقي فيها حتى مات حسرة، وفي عنق الحكومة دين.. ومثل هذا الظلم الفادح للمواطنين سبب كافٍ (لتسليط ظالم أكبر) على حكومتنا.
في تاريخ الدموع نذكر واقعة في النصف الثاني من سبعينيات الماضي.. كان الأب "فيليب عباس غبوش" رئيس الحزب القومي السوداني حبيساً في سجون مايو مع قادة آخرين.. ومن فضائل وشمائل وأخلاقيات جهاز الأمن في عهد مايو كان يحسن إلى السياسيين المعتقلين في المعاملة، تقدم إليهم الوجبات الغذائية.. ويطالعون الصحف ويتابعون الأخبار من التلفزيون والراديو.. لذلك حينما سقطت مايو في السادس من أبريل 1985م، وجد قادتها حسن المعاملة في السجون والمعتقلات، وحينما أطلق سراح "فيليب عباس غبوش" سألته إدارة السجن عن بيته وأهله.. فقال مدينة الدلنج.. وسألت "صموئيل أرو بول" عن موطنه فقال مدينة رمبيك.. وطلب من "فيليب عباس غبوش" مقابلة الأمن السياسي لتلبية طلبه.. قال "فيليب" لضابط الأمن إنه فقير ولا يملك مالاً لمقابلة الذين يتوافدون على بيته بمدينة الدلنج لحظة وصوله، لذلك يطلب السماح له بلقاء أهله وعشيرته في ميدان عام لتحيتهم. اشترط الضابط على الأب "فيليب عباس غبوش" أن يلقي التحية فقط على المواطنين في الميدان العام ولا يتحدث عن أي شيء، بما في ذلك أسباب اعتقاله.. فقط يرفع يده ويقول لهم السلام عليكم ورحمة الله.. وافق الأب "فليب"- رحمة الله عليه- بدهائه المعهود، وخصصت له الحكومة عربة لاندروفر لتحمله من الخرطوم إلى مسقط رأسه في الدلنج، وقد سرى الخبر في القرى والجبال عن وصول الأب "فيليب عباس غبوش" وجاءت الوفود زحفاً من تندية وسلارا والشفر ودلامي وكيقا.. وجبال الغلفان والجبال الستة، كما يقول المثل (العميان شايل الكسيح) وفاض ميدان الحرية في وسط المدينة بآلاف المواطنين، يتقدمهم المدير التنفيذي لمجلس ريفي شمال الجبال وتم إعداد منصة عليها مايكروفون ليرد "فيليب" التحية لأهله وينصرف.. وبمجرد وصوله ساحة الاستقبال طاف صامتاً على الجماهير التي كانت تهتف بحياة أبينا "فيليب" وصعد إلى المنصة.. وقال كلمتين (أنتم طيبين)، وانخرط في نوبة بكاء بصوت مرتفع.. وبكى من ورائه كل من كان في الميدان.. أخذ الناس ينتحبون وفاضت الدموع، وكانت رسالة "غبوش" أبلغ من أية خطبة سياسية.
لذلك في بعض الأحيان تصبح الدموع هي الوسيط اللغوي بين الناس، وحينما كان الشعراء والمغنون يرددون الأغاني التي تفيض تحناناً اشتهر الراحل "وردي" بأغنية تقول:
اعتذارك ما بفيدك ودموعك ما بتعيدك
إنت يا ظالم عند الله جزاك
شكراً لدكتور "عوض حسن النور" الذي ربما بكى حينما تذكر قصة فساد مكتب والي الخرطوم السابق، أو طافت بخاطره صورة نائب رئيس المؤتمر الوطني بولاية الخرطوم، وقد وضعتها صحيفة مغرضة في صفحة الجريمة، وقد ذهب إليه الوزير بنفسه لإطلاق سراحه من الحبس، وتثاقلت خطى الوزير وأحد رعاياه في الحبس بسبب ضمانة مريض عجز عن دفع (6) آلاف جنيه، حتى مات يوم خطبة الوزير الدامعة أمام الرئيس.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.