وزيرالخارجية يقدم خطاب السودان امام مؤتمر القمة الإسلامية ببانجول    مشار وكباشي يبحثان قضايا الاستقرار والسلام    وزير الخارجية يبحث مع نظيره المصري سبل تمتين علاقات البلدين    (لا تُلوّح للمسافر .. المسافر راح)    راصد الزلازل الهولندي يحذر مجدداً: زلزال قوي بين 8 و10 مايو    (تاركو) تعلن استعدادها لخدمات المناولة الأرضية بمطار دنقلا والمشاركة في برنامج الإغاثة الإنسانية للبلاد    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الأحد    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    انتفاضة الجامعات الأمريكية .. انتصار للإنسان أم معاداة للسامية؟    بوتين يحضر قداس عيد القيامة بموسكو    أول اعتراف إسرائيلي بشن "هجوم أصفهان"    "الآلاف يفرون من السودان يومياً".. الأمم المتحدة تؤكد    برشلونة ينهار أمام جيرونا.. ويهدي الليجا لريال مدريد    وفاة بايدن وحرب نووية.. ما صحة تنبؤات منسوبة لمسلسل سيمبسون؟    وداعاً «مهندس الكلمة»    النائب الأول لرئيس الاتحاد ورئيس لجنة المنتخبات يدلي بالمثيرأسامة عطا المنان: سنكون على قدر التحديات التي تنتظر جميع المنتخبات    الجنرال كباشي فرس رهان أم فريسة للكيزان؟    ريال مدريد يسحق قادش.. وينتظر تعثر برشلونة    الأمعاء ب2.5 مليون جنيه والرئة ب3″.. تفاصيل اعترافات المتهم بقتل طفل شبرا بمصر    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة لها مع زوجها وهما يتسامران في لحظة صفاء وساخرون: (دي محادثات جدة ولا شنو)    شاهد بالصور والفيديو.. رحلة سيدة سودانية من خبيرة تجميل في الخرطوم إلى صاحبة مقهى بلدي بالقاهرة والجمهور المصري يتعاطف معها    غوارديولا يكشف عن "مرشحه" للفوز ببطولة أوروبا 2024    ريال مدريد ثالثا في تصنيف يويفا.. وبرشلونة خارج ال10 الأوائل    تمندل المليشيا بطلبة العلم    ((كل تأخيرة فيها خير))    الربيع الامريكى .. الشعب العربى وين؟    الإتحاد السوداني لكرة القدم يشاطر رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة الأحزان برحيل نجله محمد    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    مستشار سلفاكير يكشف تفاصيل بشأن زيارة" كباشي"    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    قائد السلام    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    العقاد والمسيح والحب    مؤسس باينانس.. الملياردير «سي زي» يدخل التاريخ من بوابة السجن الأمريكي    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"جبل عامر" بين حديث الفريق "عصمت" وزير الداخلية ونفي "حميدتي" و"موسى هلال"
نشر في المجهر السياسي يوم 14 - 01 - 2017

هل يفجر الذهب الأصفر صراعاً في السودان داخل المنظومة الحاكمة؟؟
دموع وزير العدل لن تغسل آثار الفساد بالخرطوم
حديث السبت
يوسف عبد المنان
في يوم اكتشافات البترول بكميات تجارية في أعالي النيل وولاية الوحدة وبدء تدفق الدولار في خزانة المالية، وقد عمت الأفراح والليالي الملاح في وسط حكومة السودان، وأصبح د."عوض الجاز" أسطورة في نظر البعض ورجلاً خارقاً وهو يدير ملف البترول بعقلية أمنية، في ذلك الوقت سأل الدكتور "حسن الترابي" عن أثر البترول على الصراع بين الشمال والجنوب، وبطريقته الصادمة وابتسامته الساحرة رمي "الترابي" بحجر في بئر البترول المشعة دولاراً ويورو، وقال: (أخشى أن يسود النفط الأسود قلوب السودانيين مثلما فعل في نيجيريا ويصبح البترول نقمة علينا)، وامتعض الحكام من قول "الترابي" الذي كان ينظر للأشياء على أنها ليست أشياء، كأنه على يقين من صدق الشاعر "الفيتوري" الذي قال (الغافل من ظن الأشياء هي الأشياء).. ومضت سنوات على اتفاقية الخرطوم للسلام التي وقعت عام 1997م مع المنشقين من الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة د. "رياك مشار"، واستثمرت الحكومة في السلام الذي تحقق في أعالي النيل الكبرى وخرج النفط الأسود من باطن الأرض بفضل طرد مقاتلي النوير لفرقائهم في الحركة الشعبية، لكن الحكومة لم تحافظ على د."مشار" وأرغمته على العودة مرة أخرى ليقاتل إلى صف "جون قرنق دمبيور" وأهدرت بذلك فرصة تاريخية لتحالف النوير والإسلاميين في مواجهة تحالف "قرنق" والطائفيين.. ولو قدر للإسلاميين الاحتمال والصبر على مطلوبات د. "مشار" لما انفصل الجنوب اليوم، لكن إدارة ملف الجنوب حينذاك بعيداً عن الرؤية السياسية وغلبة التكتيكات الظرفية على الرؤى الإستراتجية أضاعت وطناً، وأي وطن ضاع بالأمس منا.
إذا كانت لعنة النفط قد مزقت السودان لدولتين، اليوم يطل الذهب الأصفر في الساحة الاقتصادية وتلوح بوادر صراعات حوله حتى داخل المنظومة الحاكمة التي ظلت متماسكة لسنوات طويلة، ولكن حينما تتضارب تصريحات القوى التي تحمل السلاح، فإن نذر الأخطار تلوح في الأفق القريب، وقد أثار الفريق "عصمت عبد الرحمن" وزير الداخلية بحديثه أمام البرلمان موجة استياء وسط بعض قيادات دارفور، الشيء الذي أرغم قوات الدعم السريع لنفي حديث الوزير.. ووقف الشيخ "موسى هلال" بالقرب من اللواء "حميدتي" منافحاً عن منجم جبل عامر الذي يعدّ أغنى قطعة أرض بالذهب في السودان، ووزير الداخلية طلب منه النائب البرلماني اللواء (م) "آدم حامد" نائب دائرة "السريف بني حسين" التي تضم جبل عامر الإجابة عن سؤال عن من يسيطر على جبل عامر؟ والوزير يعقد اجتماعاً أو اجتماعات بهيئة قيادة الوزارة التي تكتب رداً على سؤال العضو البرلماني، وحينما يتحدث الفريق "عصمت عبد الرحمن"، وهو اسم له بريق وتاريخ في القوات المسلحة منذ أن كان قائداً للقيادة الغربية بالفاشر، وحتى منصب رئيس أركان القوات السودانية لعدة سنوات، وهو ضابط قومي التوجه لم تطأ أقدامه حوش المؤتمر الوطني.. حينما يتحدث "عصمت" فإنه يتحدث عن معرفة إلا إذا كان لحديثه أبعاد أخرى غير المعاني المباشرة، وأن يحدد "عصمت" عدد (3) آلاف أجنبي بجبل عامر بيدهم أسلحة متطورة تتطلب تدخل القوات المسلحة لإبعادهم عن المنطقة، فإن وزير الداخلية يرمي بحجر كبير في بركة ساكنة، لكنه حجر يسقط في (السهلة) لأن حقائق الواقع على الأرض تقول إن بجبل عامر قوات شرطة تحفظ الأمن وقوات دعم سريع تحمي المواطنين من أي هجوم من قبل التمرد الموجود في بعض الجيوب بوادي هور شمال غرب الولاية.. وبجبل عامر حكومة مدنية بقيادة معتمد محلية السريف، فأين يوجد الثلاثة آلاف أجنبي؟؟ إذا قال إن هناك أجانب يعملون في مناجم الذهب من المدنيين، فإن ذلك قد يكون حديثاً فيه شيء من المصداقية لأن كل مناجم الذهب بها إثيوبيون وأثيوبيات ومصريون وأتراك وتشاديون وإريتريون.. فالسودان دولة لها امتدادات اجتماعية متداخلة مع دول الجوار.. أما أن يبلغ العدد (3) آلاف أجنبي، فتلك قصة أخرى.
الواقع بكل أسف يكذب حديث الوزير الكبير، وقد وجد القائد "محمد حمدان حميدتي" نفسه مجبراً على الحديث جهراً والدفاع عن أمن البلاد وسمعتها بنفي حديث الوزير.. وقوات الدعم السريع التي أجاز البرلمان قانونها بالأغلبية وأصبحت قوة ينظمها القانون تحت قيادة القائد الأعلى للجيش، هي من يتحمل اليوم أعباء مطاردة عصابات تهريب البشر أو ما يعرف (بتجارة البشر)، واستطاعت هذه القوات البقاء في قلب الصحراء ومطاردة العصابات على الحدود بين السودان وليبيا، وألقت القبض على المئات منهم وسلمتهم لوزارة الداخلية، وقوات الدعم السريع قطعت الطريق أمام تسلل المتطرفين الإسلاميين من ليبيا إلى داخل دارفور، وحالت دون دخول حركة "بوكو حرام" المتطرفة إلى داخل السودان، وتنفيذ عملياتها.
في هذا المناخ، فإن إثارة قضية منجم جبل عامر الغني بالذهب يثير التساؤلات.. هل قصد الوزير "عصمت" عرقلة إجازة قانون قوات الدعم السريع؟؟ أم أن الوزير أعطى أذنيه لأحاديث ومواقف بعض الشخصيات الدارفورية التي ترفض بقاء قوات الدعم السريع على قيد الحياة؟؟ وأكثر ما أثار الريبة والشكوك حديث الجنرال "الهادي آدم حامد" نائب دائرة "السريف بني حسين" في المجلس الوطني وهو يحاول تغطية قرص الشمس في نهار الخرطوم بيده الواحدة.. ويسعى في حديثه للزميلة (السوداني) إلى إسباغ حديث وزير الداخلية بالصدقية ويحدد بالإشارة وجود أجنبي واحد في جبل عامر.. الجنرال "الهادي آدم حامد" يعلم أكثر من وزير الداخلية وأكثر من اللواء "حميدتي" نفسه، لأنه ابن المنطقة وانتخبته ليمثلها في البرلمان، يعلم أن جبل عامر خال تماماً من أي وجود مسلح لأجانب وأن الشرطة وقوات حرس الحدود التي كان يقودها اللواء "الهادي" حتى قبل تقاعده هي التي تحرس جبل عامر، ولو سأل اللواء"آدم حامد" دفعته اللواء "ياسر العطا" لوجد عنده الخبر اليقين.. وهو أصلاً عالم بكل شيء، ولكنه آثر أن يتحدث بنبرة مناصرة لحديث وزير الداخلية.. فهل استقى الفريق "عصمت" بعض معلوماته من الجنرال "الهادي آدم حامد" الذي كان في لجة معمعة الصراع والحرب الدموية التي وقعت في جبل عامر قبل سنوات من الآن.. ولا تزال آثار تلك الحرب باقية في نفوس مواطنين أبرياء وجدوا أنفسهم فجأة في لجة صراعات حول الذهب.
وكان الشيخ "موسى هلال" زعيم عشيرة المحاميد قد أثار حديثاً غاضباً عند زيارة وزير المعادن السابق "كمال عبد اللطيف" لمنطقة جبل عامر برفقة "عثمان يوسف كبر"، وحينها جرت مساجلات على صفحات الصحف بين "موسى هلال" الذي أخذ لنفسه موقفاً بعيداً عن الحكومة والمؤتمر الوطني الذي منحه مقعداً في البرلمان القومي، واتهم "موسى هلال" وقتذاك الوالي "عثمان كبر" بالنفخ في أشرعة النزاع بجبل عامر.. واختار اللواء "الهادي آدم حامد" الوقوف أمام وخلف "كبر" لينال ثقته ويتم تعيينه في منصب المعتمد، لكنه لم يبق في المنصب طويلاً بسبب تناقض موقفه ومواقف مواطني "السريف بني حسين"، الذين لا ناقة لهم ولا جمل في الصراع بجبل عامر، بل مصلحتهم في استقرار الأوضاع الأمنية ودخول شركات وطنية أو أجنبية في أعمال التنقيب عن الذهب لتنال المحلية نصيبها من التنمية.. وبعد تولي قوات الدعم السريع مسؤولية الأمن بالمنطقة، شهدت حتى قرية اللواء "الهادي آدم حامد" تشييد مدرسة ومركز صحي، وقدم اللواء "حميدتي" دعماً كبيراً لصالح التنمية والاستقرار في المنطقة.
وحتى ناظر "البني حسين" يمتطي سيارة قدمتها له قوات الدعم السريع ضمن عدد من زعماء الإدارة الأهلية في دارفور، وناظر البني حسين لو تحدث اليوم لصمت الفريق "عصمت" ومن قبله اللواء "الهادي آدم حامد"، لأن وجود قوات أجنبية في جبل عامر فرية كبيرة دحضها الشيخ "موسى هلال" أيضاً الذي تحدث بصراحة ووضوح ووقف مع الحقيقة.
لكن الذهب الأصفر مدعاة للتنافس وتكالب أصحاب المصالح.. في كل زمان ومكان وليس جبل عامر وحده.. وقد اكتشف الذهب فجأة بعد أن نضب البترول أو انخفضت عائداته، وبدأت عائدات الذهب تغذي الخزانة العامة بأقل من (5%) من الذهب المستخرج.. وقد شهد عاما 2012 و2013م تصدير السودان ل(47) طناً من الذهب كأعلى نسبة في تاريخ البلاد وفي تلك الفترة كان وزير المعادن هو "كمال عبد اللطيف".. لكن إنتاج السودان من الذهب أخذ يتسرب عبر مطار الخرطوم ومن خلال الحدود المفتوحة مع بلدان الجوار.. وأخذ صادر الذهب في التدني والانخفاض التدريجي من (47) طناً إلى (17) طناً حتى سبتمبر الماضي، فهل انخفاض صادر الذهب بسبب قلة الإنتاج أم للتهريب الذي ينخر في جسد الاقتصاد الوطني حتى أقعده عن النهوض؟؟
حينما اتخذت الحكومة قراراً بدخول البنك المركزي كمشترٍ للذهب للحد من التهريب، كان لمحافظ بنك السودان السابق "عبد الرحمن حسن" رأي مغاير.. المحافظ الذي تم إعفاؤه الشهر الماضي بسبب تباطؤ البنك المركزي في شراء الذهب من المعدنين، ورفض تنفيذ توجيهات القيادة بإلزام البنوك التجارية بتحديد نسبة محددة من التمويل الأصغر لصالح القطاعات الفقيرة، دفع في نهاية الأمر ثمن مواقفه غير المبررة، التي تساعد في تهريب الذهب إلى الإمارات ومصر وليبيا وتشاد، لأن المعروض من أسعار للبنك المركزي غير واقعية مثل سياسات تحفيز المغتربين على التحويل عبر المصارف.. فمنذ إعلان تلك السياسات وحتى اليوم لم تحصد خزانة الدولة ألف دولار من تحويلات المغتربين.. وبذلك تصبح قضية الذهب في السودان ذات أبعاد سياسية واجتماعية وأمنية، وما يثار عن جبل عامر في شمال دارفور لا ينفصل عن هذا وذاك.
{ دموع الوزير
جاء في أخبار (الخميس) الماضي أن وزير العدل د."عوض حسن النور" خذلته دموعه وذرف منها الثخين حتى استعصى عليه تقديم رئيس الجمهورية. وكان وزير العدل يتحدث للعاملين في وزارته حديث المودع لمنصبه ومقعده.. وقد طلب الوزير من العاملين في الوزارة أن يعفوا عنه بسبب المشقة التي لحقت بهم معه.. وتبع الوزير رهط من التابعين والتابعات، موظفي مكتبه والموظفات وبعض المستشارين المرتبطين بالوزير، فأصبح المكان مأتماً وعويلاً في مشهد لا تجده إلا في هذا البلد الذي بدلاً عن مسح المسؤولين دموع الباكيات، هم أنفسهم يبكون، كل له أسبابه الخاصة، وإذا كان د. "عوض حسن النور" الذي نحسبه من الذين لا يذرفون دمعاً من أجل كرسي سلطة قد رق قلبه لمن كان رفيق رحلته القصيرة في دهاليز الوزارة الكبيرة، فإن مسؤولين آخرين قد سبقوه بالبكاء على الأطلال مثل "كمال عبد اللطيف" الذي خاطب موظفي وزارة المعادن يوم خروجه منها مرغماً، ففاضت دموع الوزير جداول تسقي ثيابه الأنيقة المعطرة.. وحينما بكى البروفيسور "إبراهيم غندور" لانقسام السودان لدولتين وذهاب الجنوب لسبيله، كانت دموع حزن عميق مقابل دموع فرح ونشوة للانفصاليين الشماليين من أمثال المهندس "الطيب مصطفى" و(تابعه) الفريق غير الرشيد وهما يذرفان دموع الفرحة بانقسام السودان لبلدين.. وفي تلك الأيام ظهرت موضة ثياب نسائية (دموع غندور) ثوب سويسري ملون بالأبيض والأسود.. وتسابقت النساء للفوز به في ذلك الوقت، مع أن "غندور" قد يبكي هذه الأيام وأحد منسوبي وزارته يتهم في نيويورك بالتحرش جنسياً بامرأة في قطار عام.. من أين تأتي الخارجية بأمثال هؤلاء، الذين يمثلون ببلادنا وقد جاءت بهم (الوساطات) والدروب الملتوية؟ وإذا كان الوزراء يذرفون الدموع فإن نساء كثر جفت الدموع في مآقيهن منذ سنوات طويلة.. وتحجرت مشاعرهن.. وحتى خبر موت محبوس في السجن بسبب (6) آلاف جنيه، لم تذرف له وزيرة الرعاية الاجتماعية "مشاعر الدولب" دمعة واحدة وهي كانت في بواكير شبابها لبنة القلب تكتب الشعر، وتقتسم لقمة الخبز مع زميلاتها في الكلية.. لكن ولوجها ساحات الوظيفة التنفيذية جفف من قلبها فيض الحنين ومشاعر الإنسان الرقيق الذي يذوب عطفاً وحناناً على الفقير.. ولا تزال دموع أحد الموظفين من أبناء جنوب كردفان تنهمر حينما تذكر قصة (الشهيد) "عابدين أبو زلازل" الذي مات بالحسرة والدموع وهو يتنقل من سجن لآخر بسبب تنفيذه مشروعات تنموية مدارس ومراكز صحية بجنوب كردفان، وفشلت الحكومة في الوفاء بالتزاماتها.. فأودعه تجار الحديد والأسمنت غياهب السجون وبقي فيها حتى مات حسرة، وفي عنق الحكومة دين.. ومثل هذا الظلم الفادح للمواطنين سبب كافٍ (لتسليط ظالم أكبر) على حكومتنا.
في تاريخ الدموع نذكر واقعة في النصف الثاني من سبعينيات الماضي.. كان الأب "فيليب عباس غبوش" رئيس الحزب القومي السوداني حبيساً في سجون مايو مع قادة آخرين.. ومن فضائل وشمائل وأخلاقيات جهاز الأمن في عهد مايو كان يحسن إلى السياسيين المعتقلين في المعاملة، تقدم إليهم الوجبات الغذائية.. ويطالعون الصحف ويتابعون الأخبار من التلفزيون والراديو.. لذلك حينما سقطت مايو في السادس من أبريل 1985م، وجد قادتها حسن المعاملة في السجون والمعتقلات، وحينما أطلق سراح "فيليب عباس غبوش" سألته إدارة السجن عن بيته وأهله.. فقال مدينة الدلنج.. وسألت "صموئيل أرو بول" عن موطنه فقال مدينة رمبيك.. وطلب من "فيليب عباس غبوش" مقابلة الأمن السياسي لتلبية طلبه.. قال "فيليب" لضابط الأمن إنه فقير ولا يملك مالاً لمقابلة الذين يتوافدون على بيته بمدينة الدلنج لحظة وصوله، لذلك يطلب السماح له بلقاء أهله وعشيرته في ميدان عام لتحيتهم. اشترط الضابط على الأب "فيليب عباس غبوش" أن يلقي التحية فقط على المواطنين في الميدان العام ولا يتحدث عن أي شيء، بما في ذلك أسباب اعتقاله.. فقط يرفع يده ويقول لهم السلام عليكم ورحمة الله.. وافق الأب "فليب"- رحمة الله عليه- بدهائه المعهود، وخصصت له الحكومة عربة لاندروفر لتحمله من الخرطوم إلى مسقط رأسه في الدلنج، وقد سرى الخبر في القرى والجبال عن وصول الأب "فيليب عباس غبوش" وجاءت الوفود زحفاً من تندية وسلارا والشفر ودلامي وكيقا.. وجبال الغلفان والجبال الستة، كما يقول المثل (العميان شايل الكسيح) وفاض ميدان الحرية في وسط المدينة بآلاف المواطنين، يتقدمهم المدير التنفيذي لمجلس ريفي شمال الجبال وتم إعداد منصة عليها مايكروفون ليرد "فيليب" التحية لأهله وينصرف.. وبمجرد وصوله ساحة الاستقبال طاف صامتاً على الجماهير التي كانت تهتف بحياة أبينا "فيليب" وصعد إلى المنصة.. وقال كلمتين (أنتم طيبين)، وانخرط في نوبة بكاء بصوت مرتفع.. وبكى من ورائه كل من كان في الميدان.. أخذ الناس ينتحبون وفاضت الدموع، وكانت رسالة "غبوش" أبلغ من أية خطبة سياسية.
لذلك في بعض الأحيان تصبح الدموع هي الوسيط اللغوي بين الناس، وحينما كان الشعراء والمغنون يرددون الأغاني التي تفيض تحناناً اشتهر الراحل "وردي" بأغنية تقول:
اعتذارك ما بفيدك ودموعك ما بتعيدك
إنت يا ظالم عند الله جزاك
شكراً لدكتور "عوض حسن النور" الذي ربما بكى حينما تذكر قصة فساد مكتب والي الخرطوم السابق، أو طافت بخاطره صورة نائب رئيس المؤتمر الوطني بولاية الخرطوم، وقد وضعتها صحيفة مغرضة في صفحة الجريمة، وقد ذهب إليه الوزير بنفسه لإطلاق سراحه من الحبس، وتثاقلت خطى الوزير وأحد رعاياه في الحبس بسبب ضمانة مريض عجز عن دفع (6) آلاف جنيه، حتى مات يوم خطبة الوزير الدامعة أمام الرئيس.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.