السرقة أنواع وأشكال، وتبدو أبسط صورها في النشل الذي ترتفع وتيرته مع زحام المواصلات، فتتسابق الأصابع الرشيقة المدربة لجيوب المتزاحمين على أبواب المركبات الشحيحة .. لتنتقل بعملية خاطقة ملكية الفلوس من صاحبها لناشلها ! الصور الأخرى للسرقات تتدرج أيضا من سرقة المعروضات في متجر أو بقالة أثناء غفلة البائع، إلى سرقات الكسر سواء كان كسرا منزليا أو كسرا متجريا، وتتطور الحالة إلى الحالات الأكثر حدة وهي قطع الطريق والنهب المسلح .. لتصل إلى أكبر الحرامية، وهم من يبلعون المال العام بلعا تحسدهم عليه التماسيح العشارية .. دون أن يتكبدوا مشاق الجهد العضلي أو الجسماني الذي تتطلبه بقية أنواع السرقة . شخصيا، تابعت تفاصيل سرقة عجيبة .. كان بطلها شخصا أكن له الكثير من التقدير. حدث ذلك إبان دراستي بالمرحلة الثانوية، وكان ذلك الشخص أكاديميا، يمارس الكتابة في الصحف السيارة، ويأخذ مقابل كتاباته، كما قال لي بفخر، مقابلا ماديا يسيل له اللعاب ! الرجل كان يكتب في مجالات محددة تتعلق بتخصصه، وفي أحد الأيام، فوجئت بخبر عنه يشير إلى أن صاحبنا قد وقع في حبائل السرقة، حيث اكتشفت الصحيفة أن أحد المقالات التي كتبها .. منقول نقل المسطرة من مادة سبق أن كتبها شخص آخر. وقدمت الصحيفة اعتذارها للقارئ ولصاحب النص الأصلي عما حدث . خبر فاجأني وفجعني، فقد كانت ثقتي في علم الرجل ونزاهته كبيرة، وكانت قناعتي كذلك أن الناس قد يسرقون كل شيء إلا كتابات الآخرين وجهدهم الفكري، لكن الأمر قد حدث، ولم يتبرع صاحبنا بنفي ما جرى، ومن يومها .. لم أر له اسما في صحيفة أو مطبوعة .. حتى يومنا هذا ! فيما بعد، عرفت أشياء أخرى عن السرقات من هذا القبيل، فكم من رسائل للماجستير والدكتوراة يتم سرقتها، وكم من البحوث والدراسات يتم حذف اسم صاحبها ليتم وضع اسم آخر، وكل ذلك يجري في الكثير من دول العالم، حيث يتم كشف القليل من تلك السرقات، وتبقى الغالبية طي الكتمان، ولا يعرف بها إلا من ارتكبها ومن ساعده عليها ! بالأمس .. تواردت أخبار جديدة لنج عن السرقات الأدبية، حيث دخلت الظاهرة حوش شبكة (سي إن إن)، ومعها مجلة تايم وكلاهما أمريكيتان، فقد اكتشفتا أن أحد كوادرهما الصحافية صاحب مهارة في السرقة، بعد اعترافه بأنه قام باقتباس أجزاء من مادة صحفية كتبها في مجلة (تايم)، دون أن يشير لمصدرها في عموده . الكاتب الحرامي، واسمه فريد زكريا، يعود في أصوله إلى الهند، وهو من الإعلاميين المنتشرين في عدد من الأجهزة الإعلامية، حيث يكتب في الواشنطن بوست، ومجلة تايم، فضلا عن تقديمه لبرامج تلفازية في شبكة سي إن إن . مجلة تايم، ومعها شبكة سي إن إن .. قررتا فورا إيقاف صاحبنا الحرامي، وهو إجراء قد يكون له ما بعده من عقوبات جنائية وأدبية . حرامية الأفكار قد يسهل اصطيادهم مع مرور الأيام .. لكن تماسيح المال العام .. هم من يملكون طاقية الإخفاء ! يكفينا شرهم ! مع الاصدقاء شكرا لمن لم نذكرهم من أصدقاء الخميس الماضي، وشكرا لمن تفضلوا بوضع علامة (لايك)، وموعدنا مع مساهماتهم الجمعة القادمة بحول الله.