(الخرطوم) قدمت (السبت) ولكن.!! الخرطوم - محمد جمال قندول في ظل انشغال المراقبين والمتابعين للساحة السياسة السودانية بالجولة فوق العادة لرئيس البلاد المشير "عمر حسن أحمد البشير" إلى كل من دولتي الكويت والبحرين، كان الخبر الأبرز والملفت للانتباه، والذي انتشر على نطاق واسع بوسائل الإعلام المختلفة عن مسعى دولة الجنوب للتوسط في خلافات الحركة الشعبية - قطاع الشمال، التي حدثت خلال الشهر الماضي، حيث أشار الخبر إلى أن جوبا أوفدت مبعوثاً خاصاً، وهو اللواء "أكول مجوك" التابع لاستخبارات الجيش الشعبي لتوصيل رسالة لقيادات الحركة، وظل موجوداً بجنوب كردفان في الفترة ما بين 27 وحتى 29، وحضر كافة اللقاءات التي تمت بين قادة التمرد ورئيس الحركة الشعبية، "مالك عقار" والأمين العام المعزول "ياسر عرمان" في كل من: كاودا والجقيبة، وذلك للتوسط لاحتواء الخلافات بين الأخير ونائب رئيس الحركة "عبد العزيز الحلو"، مبدياً استعداد حكومة الجنوب لتقديم المساعدات المطلوبة. وبناءً على ذلك تسلم قائمة من المطلوبات العاجلة من أسلحة وذخائر وقطع غيار ووقود للمنطقتين، وفق ما جاء بوسائل الإعلام، الأمر الذي اعتبر من قبل عديد من المراقبين، دليلاً على إصرار جوبا على دعم التمرد لمواصلة الأنشطة العسكرية ضد الحكومة، بالدعم اللوجستي والعسكري، على الرغم من الجهود التي بذلتها الخرطوم لمساعدة الدولة الوليدة لمواجهة أزمتها الداخلية، واستضافتها للفارين من جحيم الحرب وضحايا المجاعة، وفتح مسارات لتوصيل الإغاثات، وهو ما كان محل استنكار الكثيرين. فتح المعابر والإغاثات القيادي الجنوبي والأمين العام لهيئة دعم السلام بدولة الجنوب، "استيفن لوال" استنكر التصرفات التي بدرت من حكومة "سلفاكير" بإصرارها على دعم متمردي الشمال، واعتبر أن الأمر يمثل خرقاً للاتفاقيات المبرمة بين البلدين. وأشار إلى أن الهدف منه تشتيت الانتباه عن القضية الجوهرية لدولة الجنوب والمتمثلة بالقتل المتبع ضد الشعب الجنوبي. واستبعد "استيفن" أن يتم سلام أو استقرار فيما يخص الجنوب ودعمه للتمرد، إلا بإزاحة نظام "سلفاكير" وأن يأخذ الشعب الجنوبي حقه، ويأتي بمن يريد أن يحكمه، مشدداً على أن البديل يجب أن يكون حريصاً على وجود سلام دائم بين الجنوب والشمال، بناءً على الأواصر والعلاقات المتينة والقوية بين الشعبين والتي ولن تتأثر بتخطيط الجغرافيا وما فعلته الحروب والنظام الباطش بجوبا حالياً، وأبدى "استيفن" استغرابه من منهج "سلفاكير"، وقال: كان من الأفضل له وللدولة الوليدة رد التحية للسودان بأحسن منها، حينما فتحت حكومة الخرطوم المعابر للإغاثات بجانب القوافل الإغاثية والأغذية والمعونات، إبان الأزمات الإنسانية التي ضربت الجنوب، جراء الحرب الأهلية الطاحنة الدائرة بين "سلفاكير" و"رياك مشار" . غير أن سفير دولة جنوب السودان "ميان دوت" نفى الأمر جملة وتفصيلاً خلال حديثه ل(المجهر) أمس، وأبدى استغرابه من نشر الصحف لمثل هذا الخبر، وزاد : لقد تم استدعاء الملحق العسكري التابع لنا قبيل أيام بوزارة الدفاع السودانية، وتمت مساءلته. وبدوره شرح الأمر ونفى أن يتخذ الجنوب مثل هذا التصرفات، وأن الأمر ليس إلا محض افتراءات وكذب، مؤكداً بأنهم حريصون على العمل على تحسين العلاقات لمصلحة البلدين. في الوقت الذي نفى فيه الخبير السياسي د."صلاح الدومة"، أن يمثل الأمر مدعاة للاستغراب. وقال ل(المجهر): إن قطاع الشمال أصلاً هو جزء من الحركة الشعبية، التي تمثل الحزب الحاكم بدولة الجنوب، وأن يتوسط قيادات الجنوب لحل مشاكل القطاع الشمالي، لهو أمر لا يدعو لأي استغراب، وطبيعي. أبواب دبلوماسية مشرعة من جانبه قال الفريق شرطة "أحمد إمام التهامي"، رئيس لجنة الأمن بالمجلس الوطني : إن المعلومات المتعلقة بتدخل جوبا لاحتواء خلافات قطاع الشمال مؤكدة، وشدد على أن الجنوب لا زال يدعم الحركات. وقال: إن تصرفات جوبا واضحة ومعروفة بالنسبة لنا، وأشار في حديثه ل(المجهر) إلى أن أبواب الخرطوم مشرعة دبلوماسياً للسلام حال أرادوا ذلك، وأنهم يريدون الاستقرار للدولتين. وأضاف "التهامي" بأن الخرطوم قدمت (السبت) في أكثر من سانحة، وذلك باستقبالها للاجئي الجنوب، وفتح مسارات الإغاثات، ولكن جوبا لم تأبه بكل ذلك. واتهم "التهامي" جهات إستخباراتية، لم يسمها، بأنها لا تريد السلام للدولتين، وتعمل على زعزعة العلاقة بينهما، وأكد التهامي أن السودان الآن في وضع أفضل من حيث الأمن والأمان، وعلى جميع الأصعدة مقارنة بجوبا. في السياق، رأى مراقبون أن جوبا أدخلت نفسها في نفق مظلم بسبب عنادها وإصرارها على دعم التمرد والغدر بالجارة الشمالية، التي طالما ظلت حريصة على السلام وتعمل من أجل مصلحة الشعب الجنوبي، بما في ذلك فتح المسارات لإيصال الإغاثات لهو دليل قوي على هذا الالتزام، ويرى المراقبون أن الحلول لعودة الاستقرار في علاقات البلدين بصورة أصدق تكمن في ذهاب نظام "كير"، الذي على ما يبدو لن ينفك من علاقاته بقطاع الشمال بجانب تدني شعبيته لمستويات ضعيفة بسبب الحالة الكارثية التي وصلت إليها الدولة الوليدة والتي حصلت على استقلالها قبيل 6 سنوات، ودخولها معترك حرب أهلية طاحنة، ويشير المراقبون إلى أن "سلفاكير" يعمل على دعم الحركات المتمردة خاصة قطاع الشمال ليدعم في المقابل في حربه الدائرة مع "مشار". مؤكدين أن جوبا ستخسر الكثير حال إصرارها على هذا النهج لعدة عوامل، في مقدمتها أنها باتت معزولة دولياً وانهارت اقتصادياً وعسكرياً بفعل الحروب ولم يعد بمقدورها أن توسع دائرة صراعاتها في الوقت الذي تشهد فيه الخرطوم صورة مغايرة للماضي، بانفتاح غير مسبوق على مستوى جميع علاقاتها خاصة مع الإقليم الخليجي والدولي، الأمر الذي ظهر جلياً بتخفيف العقوبات الاقتصادية الأمريكية، بجانب الضغوط التي تواجهها الحركات المسلحة السودانية، للتوقع على اتفاق سلام دائم مع الخرطوم. إذ أن المجتمع الدولي بات حريصاً على استقرار السودان لكونه أصبح يشكِّل صمام الأمان للمنطقة وباتت البقعة الوحيدة بالإقليم الخالية من الحروب وعدم الاستقرار، بجانب مساهمة الخرطوم الفعالة لمكافحة التهريب والهجرة غير الشرعية. وأخيراً بوصول حوار الوثبة الذي دعا له رئيس الجمهورية المشير "عمر البشير" إلى خواتيمه، بالبدء بوضع أولى مخرجاته موضع التنفيذ، بإعلان حكومة الوفاق الوطني. بجانب أن الحركات المسلحة فقدت قوتها سواءً في دارفور أو المنطقتين، وبالتالي بات السلام أقرب للخرطوم، فيما تعيش جوبا احتراباً مدمرًا، يخلف يومياً مآسي إنسانية غير مسبوقة.