لا أعرف مقدار القروش المرصودة لأمطار الخرطوم، غير أن ما أعلمه أن الخريف لا يأتينا على حين غرة .. ولا تهطل أمطاره في غير موعدها، بل لها أشهر معلومة، ويتم رصد ميزانيات ضخمة لاحتواء آثارها الضارة، لكن في النهاية (تموص) القروش في ماء المطر إلى غير رجعة ! كل الكلام الذي يقال عن استعدادات الولاية للخريف .. يصبح عند المحك أحجية مملة مكررة، وكل الاجتماعات واللجان والآليات والإدارات والآليات المتعلقة بأمطار الخريف في الولاية .. تصبح هدرا إضافيا للمال حين نرى الواقع بشكله المزري الفاضح ! أمطار الخرطوم للأسف امتحان رسبت فيه الولاية على طول الخط، رغم أن أماكن التجمعات المائية معروفة ومرصودة، والميزانيات أيضا موضوعة ومجنبة، وفترة الأمطار معروفة وليست محل تنجيم . لم يعد كافيا أن يسجل الوالي حضورا في المناطق المتضررة من الأمطار، أو أن ينزل بعض مسؤولي الولاية لأماكن تجمعات المياه عقب الأمطار .. فالأضرار لا تزيلها (الطبطبة) والحضور غير المجدي، والقرارات السريعة لا تلغي التساؤلات عن الاستراتيجيات والخطط والبرامج الموضوعة .. والتي تضج بها أجهزة الإعلام قبل الخريف .. ويتم رصد القروش العزيزة لتنفيذها .. فتتبخر القروش والآمال .. أمام أول هطول للمطر في العاصمة العتيدة . الأمطار لم تعد عدوا لبيئة الخرطوم .. ومعيقا لحركة المركبات والعمل في الدواوين ومواقع الإنتاج، بل أصبحت أيضا وسيلة للإضرار بصحة الناس .. ومهددا للحياة بما تتسبب فيه من إتلاف للمساكن وهدم للبيوت على رؤوس قاطنيها .. وبما تجر إليه من مخاطر تتعلق باحتماليات الموت صعقا بالكهرباء . كما أن الأمطار لم تعد (مناخا) يعيد إنتاج الملاريا في عاصمة تسعى لتضميد جراح مواطنيها المعيشية .. بل أصبحت كذلك وبالا يضعضع المساكن، ويزاحم ميزانيات الأسرة الشحيحة المرصودة للأكل .. لتذهب الملاليم العزيزة لصيانة ما تم تخريبه بتراكم المياه وغرق الشوارع بالأحياء .. بسبب سوء التصريف .. وغفلة المسؤولين عن دورهم المرتجى .. والذي جيء بهم إلى كراسيهم الوثيرة لأدائه .. لا للتفرج عليه . جولة سريعة بشوارع الخرطوم الرئيسة .. تكشف ما يمكن تصوره عما يجري في الأحياء الداخلية، وفي الاحياء النائية والطرفية . والأسواق التي يجب أن تكون مكانا مهيأ لتصريف المياه .. أصبحت بؤرا لا يمكن أن يتصور أحد بأنها تخنق عاصمة دولة في القرن الحادي والعشرين . بصراحة .. لا أعرف إن كان مسؤولو الولاية قد جالوا في شارع السيد علي الميرغني مساء أول أمس .. أي بعد عشر ساعات من توقف الأمطار .. وشاهدوا البحار المتلاطمة عند تقاطع الطريق مع شارع كوبري شمبات ببحري، ولا أدري إن كان المسؤولون بالولاية قد شاهدوا البرك الطافحة بالمياه، والأفخاخ الخطيرة من الحفر المغمورة بالماء .. والمتربصة بالسيارات وربما بالبشر في شارع الهجرة بأمدرمان وتحديدا عند التقاطع مع شارع ود البصير . كما أنني لا أعرف ما يمكن أن يكون قد حدث في أحياء مثل الحاج يوسف، والثورات، والأمبدات، والكلاكلات، والديوم، وسوبا، والكدرو، وغيرها .. ما دامت العاصمة في أحيائها الوسطى تعيش محنة الأمطار دون (وجيع) ! قروش الخرطوم (ماصت) مع المطر .. وكل خريف وأنتم بخير !