الأحداث المفاجئة لا تنتهي بزوالها، والسبب أن العامل النفسي يظل ضاغطا في أدمغة الناس، فتظل آثارها مستمرة إلى حين من الدهر . مثلا .. ظهور أفعي في منزل ما، وتعرض أحد الأفراد للدغتها، حدث لن ينتهي بقتل الأفعى، لكنه سيترك توابعه لتفرفر في خيال الملدوغ، وفي الساكنين، بل وفي الزائرين الذين سمعوا بالقصة، وستكفي خشخشة ورقة بفعل الهواء .. لجعل الجميع يسارعون لرفع أقدامهم عن أرض الخشخشة ! أيام أحداث سبتمبر، حين كان ابن لادن يشكل رعبا كبيرا للدول الغربية، أصبح العرب فجأة مصدر قلق حقيقي للعالم، وكان وجود أي شخص يلبس (الغترة)، أو الشماغ، وهما سمة للكثير من أعراب الخليج والشام والبادية العربية، يعني من وجهة النظر الغربية وجود خطر محدق، بل إن دخول أي شخص بتلك السمات لطائرة ما .. كان كفيلا بإقلاق ركاب الطائرة وطاقمها الأمني، خصوصا بعد كابوس الطائرتين اللتين ارتطمتا ببرجي مركز التجارة العالمي .. وأحالتاه إلى رماد في عملية انتحارية دراماتيكية لن ينساها العالم أبدا ! ومما كان يحكى آنذاك، أن الكثيرين كانوا يلغون سفرياتهم الجوية في آخر لحظة، بسبب ملاحظتهم لوجود راكب تبدو عليه السمات العربية، وكان بعض الخواجات يصرحون بذلك علنا، في حين كان آخرون يؤجلون سفرهم .. دون إبداء الأسباب التي لا تخفى على ذي بصيرة !! أعرف صديقا لا يركب المصاعد الكهربائية أبدا، وكنت أظن أن الأمر هو مجرد خشية من التجربة، لكنني عرفت لاحقا أنه تعرض ل (زنقة) مخيفة حين تعطل به مصعد في إحدى البنايات، وخرج منها بكرامة البليلة، ومنذ ذلك اليوم أصبح مثل أمير الشعراء أحمد شوقي، صاحب القولة الشهيرة عن ركوب الطائرة : (أركب الليث ولا أركبها) ! ولأن المخاطر والمفاجآت لا تأخذ أشكالا ثابتة، فإن الحذر والاحتياط لا بد أن يكون مقرونا بالخيال، ولذلك فإن الهواجس لن تترك البشر أبدا .. طالما أن المصائب تتنوع وتتشكل يوميا بهيئات متنوعة . أمس قرأت خبرا غريبا، وهو أن منقبة في الدارالبيضاء، دخلت إلى أحد المصارف دون أن تستلفت عناصر الحراسة، وتوجهت بهدوء نحو شباك الخدمة، لكن المفاجأة كانت حين انطلق فجأة من تحت النقاب صوت ذكوري خشن، مهددا موظفة المصرف، ومطالبا بتسليمه المال من الصندوق، لتطلق الموظفة صرخات الاستغاثة ، ما جعل اللص المنقب على هيئة امرأة يستل مدية من الحجم الكبير، ويطالب الشابة بإفراغ صندوق الأموال دون تأخير. صرخات الموظفة التي توالت بشكل هستيري .. أربكت اللص الذي لم يتدرب جيدا على الملابس النسائية، فتعثر في (العباية) التي استعملها وهو يحاول الهروب، ليسقط أرضا .. خصوصا بعد أن حالت بعض الكراسي الموجودة بالمصرف وبعض المواطنين من المتطوعين دون تمكينه من الفرار، فجرت محاصرته وشل حركته، وانتزاع المدية الكبيرة من يده . المحاولة انتهت بسلام، لكن الهلاويس الأمنية في المصرف ستستمر لسنوات قادمة، حيث ستصبح كل منقبة تدخل البنك محل ريبة وتوجس .. وكل ذلك بسبب جرم ارتكبه لص أرعن.. ليس للمنقبات أي ذنب فيه . المفاجآت لا حدود لها، وتداعياتها تستمر .. ليطير النوم من عيون ضحاياها .. انتظارا لمفاجآت جديدة، تضيف مزيدا من الحذر والريبة من كل شيء !