المصادفات تصنع الأحداث، وأحيانا تمنعها، رغم أن الناس لا تكترث لجانب الصدفة، وهو جانب لو تأملنا فيه .. لانفتحت أبواب كثيرة على التساؤلات ! كثيرا ما تستفز الذهن علامات الاستفهام، فماذا لو لم يجئ بيليه لمنتخب البرازيل، وهل كان فريق السامبا سيحظى فيما بعد بكل ذلك الصيت لو تعرض الجوهرة السوداء لكسر عميق بساقه في طفولته أو بداياته ؟ كيف كان سيكون شكل العالم .. لو أن هتلر لم يأت إلى الدنيا،أو أتى لكنه لم يجد فرصة في التعليم أو التدريب أو الوصول لسدّة الحكم في ألمانيا النازية ؟ بل وكيف كانت ستكون الخارطة الحالية للدنيا، لو أن القنبلتين اللتين وقعتا على هيروشيما وناجازاكي لم تنفجرا، بسبب عطل أدى لإلغاء الرحلة الجوية، أو بسبب خطأ فني أدى لعدم الانفجار ؟ على الصعيد المحلي .. ماذا كان سيحدث لو أن السودان اختار الاندماج مع مصر في الخمسينيات عوضا عن الاستقلال، علما بأن تيار الاندماج لم يكن صغيرا ومحدودا .. بل كان قويا ووقف خلفه رموز مشهود لهم بالوطنية ومنافحة المستعمر. وماذا لو أن جعفر محمد نميري، اكتفى بمهاراته في كرة القدم، واستمر لاعبا مميزا في مدني، ثم انتقل للخرطوم، وحالت احدى المباريات دون تقديمه للكلية الحربية في الوقت المناسب ؟ ثم سؤال أخير : هل كانت الأمور ستسير في مسارها الحالي لو أن جون قرنق لم يركب طائرة الهيلوكوبتر التي أودت بحياته، ولو افترضنا أن الطائرة لم تسقط .. فما هي السيناريوهات المتوقعة لمجريات الأمور؟ المصادفات هي البطل الحقيقي في وقوع الأحداث، وشخصيا أرى أن الفنان إبراهيم الكاشف لو لم يحضر للعاصمة، أو ضرب طناشا عن الغناء الذي لم يكن يوفر عيشا جيدا آنذاك .. لما حدثت كل تلك التغييرات في خارطة الغناء السوداني، وربما كان مسار الأغنية السودانية قد أخذ طريقا آخر غير ذلك الذي نعرفه الآن . كما أن وجود بعض الرواد في الأفكار الإبداعية .. أسهم دون شك في ترتيب نتائج أخرى، فلو لم يبادر الإعلامي الراحل محمود أبو العزائم بابتكار البرامج الإذاعية المنوعة في مجال الغناء الجماعي، حيث كان يجمع عددا من الأصوات المعروفة، ويجعلها تتغنى بأغنيات متألقة بشكل جماعي، لو لم يفعل هذا الرجل ما فعل .. لما كان الناس يستمتعون الآن ببرنامج مثل (أغاني وأغاني) ! المصادفات تتعدى الأحداث الكبيرة .. لتدخل في تفاصيل حياة الناس، فمكالمة هاتفية صغيرة قد تجعل صاحبها يسافر لمكان ما، وتكون بانتظاره مفاجآت تغير مسار حياته من أولها لآخرها، ولقاء عابر بشخص في مركبة عامة، أو في مكتب، أو في الفيس بوك .. قد تترتب عليه أشياء لا تخطر على البال . بل إن مواقع التواصل الاجتماعي باتت مكانا محتملا لحدوث الزيجات والمصاهرات بين الأسر، والأمثلة باتت تتعدد، وهي مرشحة للانتشار بعد أن أصبح الناس يلتقون في الفيس بوك وأشباهه .. أكثر مما يلتقون على الطبيعة ! المصادفات مؤثرة في حياتنا، لكنها في النهاية مرسومة حتى لو بدت لنا مجرد صدفة، لكننا لا نتحكم فيها، ولو استطعنا .. لفقدت الحياة كثيرا من ألقها .. وجذبها .. ومفاجآتها !