كثيرا ما يشقيني قلبي، فأنا دائم السماع لما يقول، وأقف مسحورا أمام رسائله وإيحاءاته وأوامره، فأفقد معها الكثير من قوتي، لكنني أضطر أحيانا لقفل أذني عن سماعه، بعد أن يحاصرني البعض بضرورة سماع صوت العقل، وقفل الباب أمام همس القلب .. بالضبة والمفتاح !! الآن أستطيع القول : مبرووووك يا شاطرابي، ومبروك لكل أولئك الذين يطربهم نبض قلوبهم، فقد أثبتت باحثة سودانية، جزاها الله عنا كل خير، أن القلب هو مكمن التوجيه للحركات الإرادية .. وأن الدماغ لا دور له في هذا الجانب .. سوى الاستجابة لأوامر القلب .. والمسارعة بالتنفيذ . البحث لم ينل الاحتفاء من مؤسسة أكاديمية مغمورة، بل احتضنته جامعة أريزونا الأمريكية، وقدمته طبيبة سودانية هي الدكتورة آمنة محمد صالح الفكي، ونالت به، غصبا عن أنوف العقلانيين، براءة الملكية الفكرية من الجامعة ! الخبر الجميل، والذي أوردته زميلتنا العزيزة فاطمة عوض، صاحبة الأخبار التي أتوقف عندها دائما، وتم نشره أمس في هذه الصحيفة، قال إن الدكتورة آمنة ، وهي مستشار طب الأطفال، مدير عام منظمة علوم الوعي والجهاز العصبي، أعلنت عن فرضية جديدة من أهم الأبحاث الطبية في العصر الحالي .. تكشف عن الدور الفسيولوجي للقلب ووظائفه، وعلاقة ذلك بالحركة الإرادية في حالة الوعي. الدكتورة أكدت في مؤتمر علوم الوعي الأول حول فرضية (الوعي بين القلب والدماغ)، أن العلوم والأبحاث الطبية كانت تجزم أن الحركة الإرادية تصدر من خلايا الدماغ فقط، لكنها قامت بجسارة علمية بتفنيد هذه الفرضية، موضحة أن الأبحاث أثبتت أن المخ وقاع المخ هما مصدر الحركة اللا إرادية فقط، ومثالها حركة اليدين أثناء السير التي تتم دون تحكم من الإنسان، وأكدت أنه في حالة الحركة (الإرادية) .. فالدماغ يستجيب لأوامر القلب، ويقوم بالتنفيذ الفوري بواسطة إشارات مردودة للأعضاء المراد تحريكها . كلنا نحس بتلك المعلومة .. وكلنا نعبر عنها بتلقائية غير منصتين لأهل الاحتفاء بالمخ والدماغ، فكم أحسسنا بأن قلوبنا تطير من مكانها وقت الفزع، وأنها تتسارع في إيقاعها وقت القلق والترقب، وأنها تصدح بالموسيقى والتغريد وقت الفرح والعشق النبيل ! نسمع كل يوم عبارات مثل (قلبي طار)، و(قلبي توقف)، و(قلبي أصابه الحزن)، و(قلبي منشرح)، ولم أسمع من يقول إن مخه قد طار، أو أن عقله منشرح، أو أن دماغه أصابه الحزن، أو أن مخه قد توقف ! كل ما جاء في التراث، وورد في الأثر، يشير إلى أن القلب هو مكمن الطاقة الحقيقية، والمنفعل الأول بما يحدث حوله، وكل التجارب الإنسانية تحتفي بالقلوب وعطائها، وتقر في دواخلها بأن الإحساس كله يصدر من الصدر حيث القلب، وليس من الرأس حيث المخ ! الآن .. نستطيع القول، وبكل ثقة، أن القلب هو (السيد)، وهو صاحب الأمر والطاعة .. وأن المخ ما هو إلا خادم مطيع يلبي أوامر القلب، ويسارع بتنفيذها . مبروك لكل أصحاب القلوب الرحيمة، والقلوب الرحبة، والقلوب النابضة بحب الناس، والقلوب العامرة بالإيمان .. مبروك لكل هؤلاء صدق إحساسهم، ومبروك لهم شفافية مشاعرهم، ونفوذ قلوبهم .. الذي أكدته الدكتورة الباحثة الكريمة . عاشت القلوب الحية .. ووداعا لسطوة المخ البائد !