مخاطر جديدة لإدمان تيك توك    محمد وداعة يكتب: شيخ موسى .. و شيخ الامين    سلطان دار مساليت: إرادة الشعب السوداني وقوة الله نسفت مخطط إعلان دولة دارفور من باريس    نقاشات السياسيين كلها على خلفية (إقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضاً)    إيران : ليس هناك أي خطط للرد على هجوم أصفهان    قطر.. الداخلية توضح 5 شروط لاستقدام عائلات المقيمين للزيارة    قمة أبوجا لمكافحة الإرهاب.. البحث عن حلول أفريقية خارج الصندوق    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    هل رضيت؟    الخال والسيرة الهلالية!    زيلينسكي: أوكرانيا والولايات المتحدة "بدأتا العمل على اتفاق أمني"    منى أبوزيد: هناك فرق.. من يجرؤ على الكلام..!    مصر ترفض اتهامات إسرائيلية "باطلة" بشأن الحدود وتؤكد موقفها    الإمارات العربية تتبرأ من دعم مليشيا الدعم السريع    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على ناشفيل    ضبط فتاة تروج للأعمال المنافية للآداب عبر أحد التطبيقات الإلكترونية    لجنة المنتخبات الوطنية تختار البرتغالي جواو موتا لتولي الإدارة الفنية للقطاعات السنية – صورة    تراجع أم دورة زمن طبيعية؟    بعد سرقته وتهريبه قبل أكثر من 3 عقود.. مصر تستعيد تمثال عمره 3400 عام للملك رمسيس الثاني    المدهش هبة السماء لرياضة الوطن    خلد للراحة الجمعة..منتخبنا يعود للتحضيرات بملعب مقر الشباب..استدعاء نجوم الهلال وبوغبا يعود بعد غياب    إجتماع ناجح للأمانة العامة لاتحاد كرة القدم مع لجنة المدربين والإدارة الفنية    نتنياهو: سنحارب من يفكر بمعاقبة جيشنا    كولر: أهدرنا الفوز في ملعب مازيمبي.. والحسم في القاهرة    إيران وإسرائيل.. من ربح ومن خسر؟    شاهد.. الفنانة مروة الدولية تطرح أغنيتها الجديدة في يوم عقد قرانها تغني فيها لزوجها سعادة الضابط وتتغزل فيه: (زول رسمي جنتل عديل يغطيه الله يا ناس منه العيون يبعدها)    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    الأهلي يوقف الهزائم المصرية في معقل مازيمبي    ملف السعودية لاستضافة «مونديال 2034» في «كونجرس الفيفا»    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ترشيح "البشير" بين ضرورات الواقع وأحلام أولاده في الحزب والحكومة
نشر في المجهر السياسي يوم 23 - 12 - 2017


حديث السبت
يوسف عبد المنان
ما بين مواقف "أمين حسن عمر" ومثالية "جمال محمود"
د."إبراهيم منعم منصور" يكافئ "علي عثمان" بالسيئة في كتاب ذكرياته الجديد
في الوقت الذي قدمت فيه وزارة المالية مشروع الموازنة العامة للدولة في جلسة قيل إنها استغرقت تسع ساعات، وخرجت الميزانية من شارع الجامعة لتعبر جسر النيل الأبيض غداً (الأحد) لتصبح قانوناً قبل أن يطوي العام الجاري أوراقه ويرحل، تواترت الأنباء وحشدت الساحة بالمواقف المتضاربة، وخيم على المناخ العام غبار سياسي حجب الرؤية عن الترشيح المبكر للرئيس "عمر البشير" لدورة قادمة نزولاً لمقتضيات واقع الحال في الساحة، وفي ذات الوقت يرمي قيادي في قامة ومقام الوزير "جمال محمود" رئيس القطاع السياسي بحجر في المياه المتحركة بفعل اللجنة الشبابية التي انطلقت أنشطتها من قاعة الصداقة بترشيح الرئيس خارج مؤسسات الحزب الذي ينتمي إليه.. فما الذي يحدث في الساحة هذه الأيام؟؟
قبل الخوض في قراءة المشهد الذي يظلله الغمام، فإن كاتباً عربياً هو "غسان شربل" رئيس تحرير صحيفة (الحياة) اللندنية كتب في صحيفة (الشرق الأوسط) السعودية (الاثنين) الماضي مقالاً عن الانتخابات الروسية وفرص فوز الرئيس الحالي "بوتين" بمقعد الرئاسة مرة أخرى بعد الخطوات الجريئة التي قام بها.. وقال "غسان شربل" إن القوة تسند الجنرال "بوتين"، وهو اليوم يمثل أمل روسيا في المستقبل القادم.. وقريباً مما ذهب إليه "غسان شربل"، وبعيداً عنه ، كان مقال د."أمين حسن عمر" الذي وجد احتفاءً كبيراً في الأسافير واحتفى به المعارضون وجعل البعض منه بصيص أمل لنزاع جديد وشقاق آخر يضرب صفوف المؤتمر الوطني ينهكه ويضعفه ويبدد طاقة المقاومة الداخلية، ويفتح باباً لإسقاط النظام.. وتلك أمنيات المعارضة التي لو استمعت لنصائح "تراجي مصطفى" عبر الأثير الإلكتروني واهتدت لقناعات د."الشفيع خضر" بضرورة خوض الانتخابات القادمة من أجل التغيير لكان أجدى من الرهانات الخائبة والأماني صعبة التحقيق.. وحينما يرفض د. "أمين حسن عمر" إعادة ترشيح "البشير" مرة أخرى وينافح عن ذلك الموقف من خلال المؤسسات التي هو عضو فاعل في مفاصلها.. وحتى موقعه الرفيع، كبير المفاوضين، فإنه يعبر عن قطاع من المثقفين المثاليين، الذين يعدّون التمسك بالدستور الراهن والالتزام بنصوصه يجعل للحكم مصداقية.. ولما يكتب قيمة.. وغير بعيد من مواقف د."أمين حسن عمر" تحدث "جمال محمود" رئيس القطاع السياسي في حزب المؤتمر الوطني لصحيفة (الأخبار) في عددها الأول بعد معاودتها الصدور.. وحديثه كان مفاجئاً للكثيرين باعتبار أن الرجل من الصامتين، وهو يمثل تيار الواقعية العملية في الحزب.. وهؤلاء من تصدوا لأداء مهام داخل الحزب والدولة بعيداً عن المنابر الخطابية، وساحات الفكر ومخاطبة الجماهير، ولا يذكر الناس يوماً تحدث فيه "جمال محمود" لصحيفة أو أطل عبر شاشات التلفزة، أو أبواق الإذاعات، ولكنه ظل يعمل في صمت وبعيداً جداً عن الضوء يعطي بلا كلل.. ولا ملل.. وخلال فترة التغيير والتجديد طرح اسمه بقوة لتولي منصب نائب رئيس المؤتمر الوطني بعد ترجل د."نافع علي نافع" من الحزب مثلما طرح اسم "الصادق محمد علي" (الرزيقي) لمنصب نائب رئيس الجمهورية قبل أن تعيد القيادة النظر في ذلك وتختار بروفيسور "إبراهيم غندور" خليفة ل"نافع".. و"حسبو محمد عبد الرحمن" بديلاً لدكتور "الحاج آدم يوسف".. وتم اختيار "جمال محمود" لمنصب وزير الدولة بمجلس الوزراء، وهي وظيفة في ظاهرها تلائم مقاسات الشاب الذي لم يبلغ الخمسين من العمر بعد ولكنها كبيرة بالنظر للمهام التي تسند إليه.
وحينما يدعو "جمال محمود" أو يقول إن المؤتمر الوطني لديه مرشحين جاهزين لخلافة "البشير" فإن هذا الحديث نظرياً لا غبار عليه وسياسياً يعبر عن المرحلة الحالية التي تبعد عن الانتخابات بما يربو على العامين.. وإذا قال "جمال محمود" بغير ما قال لأسقط عن حزبه دثار وثوب الاحترام الذي يستر به جسده.. ولهزم مبادئ عديدة.. ولكن "جمال" أكثر قناعة من غيره بأن المؤتمر الوطني في الوقت الراهن بدون خيارات وبدائل موضوعية يجمع عليها الناس لخلافة "البشير" الذي أثبتت الأيام أنه أذكى القيادات الإنقاذية، وأكثرها قبولاً شعبياً مهما تطاولت سنوات حكمه.. ثم إن الرجل مبرأ من داء الجهوية والعنصرية والقبلية.. والمؤتمر الوطني قدمه من قبل من خلال اللجنة القومية التي رأسها المشير "سوار الذهب".. وحينما يقول د."أمين حسن عمر: " إن ما يراه من مهرجانات ووثائق تأييد للأخ رئيس الجمهورية يسر ويحزن في آن واحد، فهو من ناحية يبرز تقديراً إيجابياً للأخ الرئيس ونحن المحازبون له يسعدنا ذلك ففضله فضلنا ومجده مجدنا.. ومن الإنصاف إعطاء الرجل التقدير الذي يستحق فهو صاحب مبادرات مشهورة ومذكورة ومشكورة في الانحياز للسلام والحوار الوطني بالحسنى، ومواقفه على الأصعدة الوطنية والقومية والإسلامية لا يلاحي فيها إلا ممارٍ.. لكن ما يحزن أن التقدير للدستور والقانون والتواثق والتعاهد يتراجع بصورة محزنة لدى هؤلاء المتحمسين كأنهم لا يعلمون أنه لا نهضة لأمه تعلي شأن أفرادها مهما سمق شأنهم فوق مقتضى القانون والدستور".. أين كان هذا الدستور حينما حل الرئيس البرلمان في قضية الخلاف والنزاع الشهيرة؟؟ وهل الدستور الحالي متفق عليه من القوى الوطنية جمعاء أم هو دستور انتقالي لفترة انقضت وينتظر إجازة دستور في الجمعية الوطنية التي تنتخب في 2020م؟؟
والسيدان د."أمين حسن عمر" و"جمال محمود" ينطلقان من منصتين مختلفتين، الأولى منصة العمليين من أهل الفعل، والثانية منصة أهل النظر من طبقة المثقفين.. فالنظرة المثالية ل"أمين حسن عمر" تهزمها حقائق الواقع على الأرض.. وهو ومن يشاطره من أعضاء في المكتب القيادي ومنسوبين للحركة الإسلامية في الشورى تعوزهم شجاعة تسمية بديل ل"البشير" حتى تخميناً وضرباً للأمثال، لأن أياً من تتم تزكيته وتقديمه كمرشح لخلافة "البشير" في منصب رئيس الجمهورية يعد ذلك بمثابة تضحية بهذا الشخص.. وحينما تواترت من قبل أنباء عن حصر خلافة "البشير" وسط القوى المدنية بين "علي عثمان" ود."نافع علي نافع" هرع الاثنان في اجتماعات الشورى التي تدفع بالمرشحين تسابقاً لترشيح "البشير"، وكلاهما اليوم يجلسان في كراسي المراقبة بعيداً عن مقاعد السلطة.
وإذا سألت "جمال محمود" لوجدته أكثر قناعة ويقيناً بأن البلاد في الوضع الراهن لا بديل في قيادتها غير "البشير".. على الأقل لدورة قادمة تنتهي في 2025م، ومن بعدها ينصرف "البشير" بكامل طاقمه القيادي الحالي "بكري حسن صالح" و"عبد الرحيم محمد حسين" و"عوض الجاز"، وحتى المؤسسة العسكرية بالضرورة سيصعد جيل جديد لقيادة البلاد.. ولكن السؤال: هل مؤسسات المؤتمر الوطني وحدها هي التي تحكم السودان؟ وهل يخوض الانتخابات القادمة "البشير" أم يتنحى؟ مثل هذا القرار لا يملك المؤتمر الوطني وحده إقراره، فالقوة ذات الشوكة، ونعني بذلك المؤسسة العسكرية التي حملت الإنقاذ على أكتافها وضحت في سبيل أن تبقى بكل غالٍ ونفيس وبذلت الدم والأرواح من أجل هذه البلاد، تعدّ شريكاً أصيلاً وأساسياً ولا تملك أية جهة مصادرة هذا الحق.. وقد قالت القوات المسلحة في كثير من المواقف كلمتها وهي تسند "البشير" وتقدمه قائداً عاماً للقوات المسلحة ورئيساً أميناً للبلاد، كما قال الفريق "السر بشير" قائد القوات البرية في نيالا.. وكما ظل يردد الفريق أول "عوض ابن عوف" وزير الدفاع (نحن حماة الوطن والثورة و"البشير" قائدنا ولا بديل للقائد المخلص لجنوده).. فهل قرأ دعاة التغيير المناخ العسكري، ومزاج عامة الناس وضعف وهزال الوجوه البديلة؟؟ أم يريدون مخادعة الولايات المتحدة التي ساهمت بغباء قادتها، وضعف إحساسهم بمزاج السودانيين وهم يطالبون بعدم ترشيح "البشير" لدورة قادمة ظناً منهم أن فريق البروفيسور "إبراهيم غندور" سيستجيب إلى تلك الضغوط؟؟ وواشنطن التي لا تجيد قراءة الواقع السياسي تعلم أن ما تطلبه من السودانيين يصبح منكراً ومرفوضاً، وليتهم تعلموا من تجربة المحكمة الجنائية.. أما حديث "الفاضل الجبوري" (الواتسابي) عن ترشح "غندور"، فإن "غندور" نفسه إذا قيل له أنت خليفة "البشير" سيفزع وترتجف أوصاله، مثل صديقه "أيلا" الذي رشحه "البشير" على سبيل الدعابة لكنه طفق يتبرأ من الترشيح.
{ القول المنكور في مذكرات "منصور"
يأسى المرء كثيراً حينما يطوف على صفحات كتاب مذكرات السياسي المخضرم والرمز الاقتصادي والوزير السابق للمالية "إبراهيم منعم منصور" الذي طاف على المواقع العامة من موظف صغير حتى بلغ مقام الوزير.. وهو ابن ناظر عموم دار حمر، ذلك الإرث الضارب في جذور البلد، والإدارة التي لها عند أهل السودان جميعاً مقام محفوظ .. وحسناً كتب "إبراهيم منعم منصور" مذكراته، ولكن الأسى والفجيعة في ما ورد في تلك المذكرات من شعث كلام وتوثيق يفتقر إلى الدقة والكياسة والفطنة.. وقد انتهج د. "إبراهيم منعم منصور" طريقة "الإفرنج" في التوثيق والكتابة بالبحث عن غرائب الأشياء ونثرها في الفضاء بدعوى الشفافية.. والحرية والأمانة العلمية.. وكتاب د."منعم منصور" الصادر عن مركز البروفيسور "محمد عمر بشير" بالجامعة الأهلية، ويقع في (1178) صفحة من القطع المتوسط، صدر من غير أن يقدمه أحد العلماء أو رفاق الوزير.. وأهل المعرفة.. وجمع الكتاب ذكريات "منعم منصور" منذ الطفولة في منطقة دار حمر من صقع الجمل وحتى أبو زبد قرية الجفالة والنهود والدويم.. والقاهرة.. وبدأ الرجل حاطب ليل يجمع ما يقع تحت بصره وبين يديه، ولا يأبه كثيراً للثعابين التي حملها على بقجته، وما يمكن أن يصيبه من أضرار هو والمجتمع الذي من حوله.. وما أثار في نفسي الأسى والحزن ان ابن ناظر عموم دار حمر كتب ما كتب دون التدبر في أثر ما كتبه على المنطقة وعشيرته الأقربين وأبناء عمومته.. ومواطني المنطقة.. ومثل د."إبراهيم منعم منصور" يجمع ولا يفرق.. ينسج خيوط الوحدة.. ولا يغزل في ثياب الفرقة.
اعتمد الرجل في مرويات التاريخ القديم على الأساطير وقصص (الحبوبات) في هجعة الليل وسمر الصيف.. ومزاعم بطولات كل قبيلة.. وتلك من سلبيات التوثيق الذي يكتب من أقلام بعيدة عن واقع المجتمع، تعيش في برزخ من الأوهام.. وكتابة التاريخ.. والذكريات وتوثيق مرويات المجتمعات تكتب من أجل ماذا؟؟ هل لتزجية الفراغ؟؟ أم لإثارة الفتن وبذر الإحن؟؟ وبعض المثقفين المرتبطين بالإفرنج ثقافة ومصالح يكتبون البحوث والدراسات من أجل الحصول على الوظائف والامتيازات.. ولكن مثل د."إبراهيم منعم منصور" لا يرجو ممن في الأرض مالاً.. ولا جاهاً ولا وظيفة.
في تسعينيات القرن الماضي والصراع بين الشمال والجنوب على أشده، كتب أحد أساتذة جامعة الخرطوم حينذاك بحثاً عن استرقاق المسيرية للدينكا.. وعن المراحيل.. ونال بتلك الدراسات المتحيزة لفئة درجات عليا أهلته لنيل وظيفة في الأمم المتحدة.. ولكن د."منعم منصور" بلغ من الكبر عتياً.. وجمع من الثروات ما يكفيه عن مد يده للإفرنج والعرب.. وأنجب ابناً "محمد إبراهيم منعم" الناشط في الأمم المتحدة والساعد الأيمن للمبعوث "ثابو أمبيكي".. ورغم ذلك فإن مذكرات د."منعم منصور" قد حفرت عميقاً في الخلافات داخل بطون قبيلة، أي ما بين الغريسية والعساكر، وهي خلافات لحفنة من المثقفين المناهضين للإدارة الأهلية من المنتمين عقائدياً في حقبة السبعينيات لليسار والحزب والشيوعي وفي التسعينيات للإسلاميين.. ومثل هذه الخلافات جزء من حركة المجتمع ما كان ل"منصور" أن يغرز فيها قلمه متحيزاً لفئة حتى لو كان الناظر "عبد القادر" أمد الله في عمره.. ومن ثم لا يليق برجل في مقام د."إبراهيم منعم" أن يجعل من أقوال المجالس ومشافهات الرعاة، عن شرب الخمر وانتشاره في بادية أهلنا حمر في فترة ما من فترات التاريخ ثابتاً وسمة وخصلة، والخمر في السودان كانت حتى سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي في كل مدينة وقرية ولا تشتهر قبيلة بعينها بكثرة تعاطيها ولا صناعتها.. وماذا يفيد الحديث عن شرب طلاب الأساس للخمر في قرية صقع الجمل؟؟ وهل هذا يليق بكبير القوم؟؟
ثم يتحدث الرجل عن الحروبات القبلية المنبوذة بين عشائر السودان.. ولا يذكر سوءات تلك الحروب.. ولا يلتفت إلى الواقع ويغرز قلمه بلا تروٍ، يكتب عن الحرب التي دارت بين حمر والكبابيش قبل أكثر من مائة عام التي عرفت بحرب (العقال) أي حينما تم قيد النياق، وتقاتل الجاهلون حرب رجل لرجل.. ولكل من حمر رواية والكبابيش رواية.. ومزاعم وأساطير.. وأكاذيب وحقائق.. والحفر عميقاً في هذا التراث الموغل في الوحشية يفرق ولا يجمع.. يشحن الصدور ولا يشفى الداء في النفوس.. وجرّ سفهاء من الكبابيش وحمر قبل عامين عشيرتيهم إلى حرب وصراع قبلي لم تشفَ جراح المجروحين على إثره بعد.. ولكن حكمة الرجال أطفأت شرارة الفتنة ولا تزال السلطات تبحث عن رؤوس الفتنة من النهابين (كدي وحميميد).. فلماذا يجهل د."منعم منصور" تلك الحقائق.. ويكتب عن صراع تاريخي برؤية أحادية؟؟ ويذهب الرجل في اتجاهات متعددة بمزاعم لا سند لها في الواقع عن حدود حمر شمالاً وجنوباً.. ويدعي أن أرض حمر تمتد جنوباً حتى منطقة الكرقل جنوب الدلنج.. وشرقاً حتى مدينة الأبيض.. وغرباً حتى دارفور في غمز ولمز لبعض أبناء عمومته.. مما يثير الفتن.. ويؤجج الصراعات القبلية.
وسياسياً يتجنى د."إبراهيم منعم منصور" على الأستاذ "علي عثمان محمد طه" الذي وقف ألف أحمر ورشح "منعم منصور" للمفوضية القومية لقسمة الإيرادات لقناعة "علي عثمان" ببعض وزراء حقبة مايو وإعجابه باسم الرجل.. ووفاء منه لصديقه رجل الإدارة الأهلية الناظر "عبد القادر منعم منصور".. ورفض "علي عثمان" النصائح التي أسديت إليه من قبل العديد من أهل الحكم بأن "منعم منصور" ليس بالرجل المناسب لذلك الموقع الرفيع لكنه تمسك برؤيته وقراره، وجاء به بعد توقيع اتفاقية السلام، ولكنه كتب بما يسيء للأيادي التي أحسنت إليه وحملته من ظل المعاش إلى الخدمة، ليقول إنه ظل يكتب التقارير إلى النائب "علي عثمان" عن الأداء وفي أحد الأيام سأله "علي عثمان" لماذا تكتب كثيراً؟؟ هل تريد بعد التقاعد كتابة مذكراتك؟؟ وأضاف على لسان "علي عثمان محمد طه": نحن في الإنقاذ خمسة عشر عاماً نصدر القرارات فقط ولا نكتب؟؟ هل "علي عثمان" رجل الدولة والأديب والمثقف والخطيب يمكن أن تصدر عنه مثل هذه الأقوال التي إن دلت إنما تعبر عن أزمة حكم عميقة في هذا البلد؟ وثمة شهادات من الرجل الكبير أي "إبراهيم منعم منصور" عن قادة عرب زاروا السودان، وتحدث عن عالم مسكوت عنه واعتقادات وأشياء لا يليق برجل مثله تدوينها ونشرها في كتاب تتداوله الأجيال.. ولولا خوف الفتنة لأشرت لبعض الأمثلة التي ينبغي الوقوف عندها.. ولكن سوق الكتاب في السودان في زمان الواتساب وتوتير والإعلام الإلكتروني، بات بلا رواد.. ولن يجد كتاب مذكرات د."إبراهيم منعم منصور" طريقه إلى عامة الناس أولاً لأن سعره فوق طاقة احتمال شعب يلهث وراء السخينة وعشاء البوش ولبن الأطفال.. وقد أصبحت القراءة ترفاً ولا يقترب من الكتب إلا القلة القليلة من الصفوة غير المترفة ومن غير الحكام.. وهنا تحضرني من قصص وحكايات الشيخ "عبد الرحيم مكاوي" مقولة صديقة رئيس الوزراء في حكومة مايو الذي كان يتردد عليه مع الراحل "مرتضى أحمد إبراهيم" بعد إعفائه من الوزارة، وهو من الكُتّاب والقراء، لكن صديقه الآخر لا يقترب من الكتب، فسأله "عبد الرحيم مكاوي" لماذا لا تشتري الكتب مثل "مرتضى أحمد إبراهيم"؟ فقال ضاحكاً: نحن حكام وهؤلاء وزراء مفصولون نحن نحكم وهم يقرأون؟؟
و"إبراهيم منعم منصور" في كتابه كتب وأخطأ وأصاب، وغرد في دنيا الذكريات وماضي الأيام بما يروق له.. ولكنه كان بعيداً عن الواقع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.