الإعلام أيضا يصيبه الجنون، فتراه يركض وتتقطع أنفاسه في أخبار لا تهم الناس من قريب أو بعيد، وهي ظاهرة غير موجودة في إعلامنا المحلي، والذي تستغرقه السياسة وأخبار الجريمة والرياضة، فلا يجد منها مهربا .. حتى لا يهرب منه ما تبقى من ناس ! من الأخبار المجنونة التي قرأها صويحبكم أمس، أن القط الرئاسي "لاري" .. الذي يعيش في منزل رئيس الوزراء البريطاني "ديفيد كاميرون" في 10 داوننغ ستريت في لندن .. فشل في إثبات مهارته وجديته في عمله للقضاء على الفئران، حيث ثبت تقاعسه حين رآه رئيس الوزراء وهو لا يحرك ساكناً أثناء مرور فأر بجواره ! الخبر يقول إنه وبناء على هذه الواقعة، قرر كاميرون الذي تعب من خمول "لاري" الذي يبلغ من العمر خمس سنوات استبداله بالقط "فريا" المشهور بشراسته وتمرسه في خطوة لحفز "لاري" الذي اشتهر بخموله وكسله على العمل. الاهتمام بالخبر، حيث يهتم الأوربيون عموما بقططهم وكلابهم بدرجة تشابه اهتمامهم بإنسانهم، حمل إشارات عجيبة بين سطوره، منها أن المنزل الرئاسي نفسه يحتفي بالقطط ويقتنيها ويدللها، فتصبح قططا رئاسية .. يخطب ودها بقية القطط، وتسعى لخطب ودها الرئاسي عملا بمقولة (من جاور السعداء يسعد) ! كما أن الخبر حمل إشارة أخرى مهمة، وهي أن منزل رئيس الوزراء البريطاني يعج بالفئران، وهي آفة كنا نظن وجودها فقط في السودان، لكنها وفقا للخبر ليست كذلك، بل تحضرني في هذه المناسبة مقولة بأن الفئران تعيش حيث يوجد ما يؤكل، وعليه فليس من المستغرب أن تأوي الفئران إلى منازل الكبار .. حيث الخير العميم، بدلا من السكنى مع الفقراء والمساكين .. حيث تقاسمهم الجوع وربما المرض والهلاك ! وأذكر أن صديقا من أصدقاء هذا العمود، كتب ذات مرة متحسرا على (هجرة) الفئران وربما انقراضها في السودان، وأشار بأن الخير قد تبخر من البيوت، فكيف يستقيم أن تبقى الفئران في أرض القحط واليباس ؟! خبر القط الرئاسي لم يقف عند هذا الحدد، فقد أشار إلى أن إحضار قط رئاسي جديد من النوع الشرس .. قد آتى أكله، إذ قام "لاري"، ولأول مرة منذ ستة أشهر، بالقبض على أحد الفئران بطريقة قد تكون إشارة لاثبات وجوده مقارنة بمنافسة الجديد. وكان القط "فريا" الذي انتقل إلى منزل رئيس الوزراء البريطاني حديثاً قد تربى عند أحد الجيران العاديين، حيث لا دلال يفوق الحد، بما جعله مخشوشنا شديد البأس .. لا كصاحبنا القط الرئاسي المدلل حد التميع ! التحفيز أثمر، وعاد القط الرئاسي إلى بعض فطرته التي سلبته إياها المدنية ومعطياتها، وأرفقت أجهزة الإعلام الخبر بصورة للقط الرئاسي، وهو يغط في نوم عميق، وكأن ما يجري في كل الدنيا .. لا يستحق أن يلتفت إليه أحد . الإعلام احتفى بالخبر، والدليل بهجته وحماسته بعودة القط الرئاسي إلى تبريم شواربه، وخرج بخبر يبدو مجنونا للقارئ في عالمنا الثالث، حيث يبحث الناس عن لقمة يقيمون بها الأود، وحيث يكابد الناس من أجل الحد الأدنى من معطيات الحياة .. لمقاومة الفناء لأطول وقت ممكن ! إعلام مجنون، لكنه يجيد لعبة الزمان والمكان .. ليبقى لافتا للنظر .. وحافظا لأهله من مخاطر التهميش .. ومهددات الموت جوعا !!