صدر حديثاً كتاب جزء أول عنوانه (ذكرياتي مع الحوت) قراءة في سفر الأسطورة "محمود عبد العزيز" بقلم الكاتب "أمين محمد الطاهر" شقيق والدة "محمود" السيدة "فائزة محمد الطاهر".. عدد صفحاته (185) صفحة (جزء أول) وطبعته أنيقة وصورة للراحل "محمود" تزيِّن غلاف الكتاب.. أهداني المؤلف نسخة مهرها بإهداء أنيق بخط يده وشرفني بالجلوس على منصة المؤتمر الصحفي الذي جرت وقائعه بصالة نادوس ببحري، وجلس على المنصة المؤلف وصديقي الشاعر "مختار دفع الله" ووالده الراحل "محمود عبد العزيز". كان ذلك قبل يومين من حفل التدشين الذي تم بداية هذا الأسبوع بنادي الضباط بالخرطوم حيث كان (الحوت) يقيم حفلاته لجمهوره الغفير من الحواتة.. والكتاب جدير بالقراءة خاصة والذي ألفه تربطه صلة الرحم بالراحل الفنان الأسطورة بحق.. لم أحضر الحفل الساهر الموسيقي.. الكاتب كان موفقاً إلى حد بعيد في كونه قدم مصنفاً حوى حياة الراحل (الحوت) منذ صرخة الميلاد حتى ساعة رحيله من الدنيا.. اعتمد المؤلف أسلوب السرد السهل الممتنع باستخدامه لغة جميلة أنيقة يفهمها كل الناس خاصة محبي (الحوت) المعجبين بفنّه، أيضاً كان موفقاً حينما قسم الكتاب إلى فصول صغيرة، جعل لكل فصل عنواناً يحوي ناحية ومواقف في مسيرة وحياة الراحل (الحوت).. ولم يكتفِ الكاتب بالسرد لسيرته بل ذهب إلى أسلوب تحليل المواقف الحياتية السلوكية ومضى أكثر من ذلك بتبيانه المبررات للسلوك الحيائي والذي ساعد أيضاً الكاتب ووفقه في صنع كتابه، أنه هو نفسه خبر أمر الكتاب والتأليف إذ أنه مثقف وقارئ نهم وشاعر ومسرحي وكاتب عاش في أجواء الإبداع الثقافي. حفل المؤتمر بمداخلات وأسئلة جاد بها عدد من أهل الثقافة والإعلام والكتابة أذكر من الحضور الصديق الشاعر الأستاذ الدكتور "عز الدين هلالي" الذي ساهم في مسيرة الراحل الإبداعية بإهدائه بعض أعماله وبتدريبه في شؤون المسرح والدراما و"هلالي" أستاذ متخصص في هذا العلم، كذلك الصحفي الأستاذ الصديق "أحمد الصاوي" المتخصص في شأن الكتابة النقدية الفنية في ضروب الغناء والموسيقا، كذلك تحدث الأستاذ المؤلف الدرامي والممثل صديقي الأستاذ "مصطفى أحمد الخليفة" الذي أضاف في الحديث عن مشروع الراحل (الحوت) الإبداعي وحفل المؤتمر بالمداخلات الثرة من صاحب صحيفة الخرطوم و"محجوب بدري" وأدار المؤتمر صديقي الشاعر "مختار دفع الله" باحترافية عالية. وهذه مناسبة أكتب فيها بشيء من رأيي المتواضع عن الراحل (الحوت) في محاولة للإجابة عن أسئلة محيرة عن شخصية المرحوم (الحوت) أبدؤها بسؤال هو: لماذا تميز الراحل (الحوت) وتفوق على كل أقرانه الذين ظهروا في الحقبة التي ظهر فيها؟! الإجابة لأنه موهوب بالفطرة حباه الله بنعمة الصوت المؤدي للغناء الجميل وأسرته ووالدته على وجه الخصوصية ساعدته وشجعته ولم تبخل عليه برعاية موهبته منذ نعومة أظافره، والراحل "محمود" يذكرني بالراحل "زيدان" في هذه الناحية، هذا بالإضافة إلى المناخ الإبداعي الطيب الذي وفره مركز شباب بحري والإذاعة السودانية لاسيما برنامج ركن الأطفال وعالم إذاعة أم درمان الذي ينور بالمبدعين والإعلاميين الأفذاذ من شعراء ودراميين ومخرجين وموسيقيين وملحنين، الشيء الذي جعل موهبته تترعرع في بيئة وتربة إبداعية خلاقة، و(الحوت) منذ صغره كان يعد نفسه ليكون مغنياً مطرباً استثنائياً، وهنا لا نغفل دور التدريب الذي تلقاه (الحوت) وهو يجري بروفات الألحان توطئة لتسجيلها بالإذاعة المرئية والمسموعة، وهنا يجب أن نذكر ونشيد بالدور الذي لعبه الموسيقار أستاذ الموسيقى المؤلف الصديق د."يوسف حسن الصديق" المتخصص في تدريس مادة تثقيف الطفل عبر فنون الموسيقا والغناء، الحائز على المركز الأول في مهرجان عربي إقليمي جرت فعالياته قبل سنوات بلحن أغنية الأطفال التي صاغها صديقي أستاذي الشاعر الجميل "إسحق الحلنقي" (بدري صحيت من نومي) وألف موسيقا لحنها د."يوسف حسن الصديق" الذي اشترك الراحل (الحوت) في معظم مؤلفاته اللحنية والتي صغتُ لها الكلمات، أذكر منها مسرحية بت السماك الارستعراضية الغنائية، وكان (الحوت) أحد نجومها الأطفال ومنهم "ثعلوب" والإعلامي "عبد الباقي خالد عبيد" والمخرج بقناة ساهور و"عبد الخالق" وعدد من الأطفال الذين أضحوا كباراً أفادتهم تلك التجربة الإبداعية ولا أنسى جهود المؤلف الممثل الأستاذ المتخصص "يوسف عبد القادر" الذي كان وما زال قاسماً مشتركاً لمعظم أعمال الدراما لاسيما الإذاعية والمسرحية، وقد كان لي شرف مشاركتهم بتأليف كل أشعار مسرحيته (أمي العزيزة) والتي ألف لها د."يوسف حسن الصديق" الموسيقا والألحان، وأغنية (متشكرين ومقدرين) و(دنيتنا الجميلة) ومذاكرة وقول صباح الخير) وكم هائل من الأشعار نظمتها وأداها "محمود" وهو طفل – له الرحمة والمغفرة – إذن هذا نمو طبيعي لموهبة غنائية وجدت التدريب والرعاية، لذا لم أدهش حين لمع نجمه في بدايات تسعينيات القرن الماضي، وهنا يجب الإشادة بممولنا الفنان الأستاذ "السموءل خلف الله القريش" فقد ساعد وتبنى مشروع النجم الراحل منذ بدايته حينما كان يدير منظمة نمارق وبيت الثقافة فوزارة الثقافة وأروقة، الشيء الذي كان له الأثر الإيجابي في مسيرة الراحل (الحوت) فله الشكر أجزله. أما الإجابة عن السؤال: لماذا هذه الجماهيرية الواسعة للراحل (الحوت) عمت مدن وقرى الوطن وتجاوزته خارج حدود الوطن ومحبة والتفاف ملايين الشباب لفنه وشخصه؟. الإجابة: أن الشباب دائماً يبحث عن قدوة مِثال خاصة بعد تراجع ظهور النجم المِثال، فجاء "محمود" – له الرحمة – ليملأ ذلك الفراغ مثلما فعل "بوب مارلي" و"مايكل جاكسون" و"البيتلز" و"جيفار" و"نلسون مانديلا".. فالساحة الشبابية كانت مهيأة لقبول (الحوت) كنجم ومثال فهم يرون فيه القدوة فشخصيته تتسم بالذكاء الحاد وبالتمرد والزهد وجرأة طرحه لأفكار سياسية فهو مع وحدة الوطن جنوبه وشماله محب ل"البشير" ومحب ل"قرنق" وهو حبيب أطفال الشوارع يغدق عليهم المال ويطعمهم، محب للحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وأشهد له بذلك حينما أدى معنا فريضة الحج لم يغادر الحجرة الشريفة منذ صلاة الصبح حتى بعد العشاء إلا للصلاة في الحرم الشريف.. أقول له يا (حوته)!! تعال ارتاح شوية.. يرد علي ضاحكاً باكياً وين ألقى زي ده؟! – يعني المصطفى صلى لله عليه وسلم – أنا مرتاح أربعة وعشرين قيراط، كان الراحل "ابن نكتة" سريع البديهة لمّاح يحب ويحبه أهل التصوف وفوق ذلك جابر عثرات كرام.. لذا لا زال الحواتة يحبونه ويوقرونه مثلما يفعل دراويش النوبة والذكر وتمجيدهم لشيوخهم حتى بعد رحيلهم. والإجابة عن سؤال لماذا انتشر غناه؟! سهل، فقد سنحت الظروف ل"محمود" بسخاء – يرحمه الله – ولعله المطرب السوداني الوحيد الذي وقع عقد عمل حصري لشركة البدوي للإنتاج الغنائي الفني عبر صناعة الكاست قبل زوالها بسبب قرصنة المصنفات الفنية، هذا بالإضافة إلى أنه المغني السوداني الأوحد الذي سجل كماً هائلاً من الغناء، غناه الخاص وعشرات الأغنيات التي أحبها لفنانين كبار محدثين وقدامى للدرجة التي ألزم فيها الشركة ببذل حقوق المؤلفين شعراء وملحنين من الذين كفل لهم قانون حق المؤلف والحقوق المجاورة وحقوقهم الأدبية والفنية.. كذلك (ملحمة الريدة) التي أعطاها لي المعطي فأنت تحب الحوت) (كده لله في لله) ودونكم صوره المثبتة في المركبات العامة وفي جدران المنازل وصوالين الحلاقة والهواتف والصحف.. – وهنا نلحظ وجه شبه بين الراحل (الحوت) والراحل "مصطفى سيد أحمد" استأذنني بأدب جم ليغني من نظمي (جواب للبلد.. ضل الضحى الرامي.. وشمس شتوية دفاية والجميل الجاي بكره صديقي الموسيقار الدكتور "هاشم عبد السلام" أمين المهن الموسيقية (وجاي تفتش الماضي) و(تباريح الهوى) و (دنيتنا الجميلة) وعدد من أغنياتي أداها بطريقته وأعجبت جمهوره والحواتة استأذنني في أدب جمٍّ وجعل الشركة تنفحني قدراً من المال نفعني وقتها – يرحمه الله – فهو يحفظ حقوق الآخرين.. إذن نحن أمام ظاهرة إبداعية فريدة تستحق الكتابة عنها والتوثيق لها وأقول لابن أختي المؤلف: شكراً كثيراً جميلاً ونحن في انتظار الجزء الثاني من مؤلفك عن ابن أختك الحوت أو سيدا أو…إلخ.