تعالوا لنهرب مجددا من أخبار السياسة وكوابيسها، ونتابع أخبار العاصمة التي ستصحو على واقع جديد، فعربات الكارو، والحمير، والخيول الجائلة بالعاصمة .. ستصبح من المخالفات كما صرح معتمد الخرطوم عمر نمر . طبعا هذه المظاهر تسيء لوجه العاصمة، لكن لا يمكن فصلها عن واقع تعيشه تلك العاصمة، بحيث يصعب أن نتخيل شوارع ضيقة مثل شوارع سوق أمدرمان، ومحال الأسمنت والسيخ وغيرها في بعض الأماكن المحشورة .. يصعب أن نتخيلها وهي تفسح المجال للدفارات وسيارات البوكس .. بمساحاتها الكبيرة، وتكلفتها الباهظة .. قياسا بالكارو الشفوق على جيوب الناس وأحوالهم ! أيضا يصعب ان نتخيل .. تشريد أصحاب الكارو والحمير .. الذين جعلوا مورد رزقهم في تلك الدواب، وحرمانهم من عمل شاق يدر عليهم بعض المال، والذي يعينهم على العيش بكفاف ولكن بكرامة. لا أعرف تكلفة (أدوات العمل) في حالة الكارو، لكنني خضت قبل عامين أو أكثر تجارب صحفية ميدانية .. اكتشفت فيها أن حمار الكارو الجيد يباع في سوق الحمير بحوالي ألفي جنيه، طبعا هذه حمير ما قبل زيادات الاسعار وارتفاعات الدولار، أما حمير الآن فوالله لا أعرف سعرها، لكنها قطعا تضاعفت .. إذا لم تؤثر فيها قرارات الحظر ! أيضا اكتشفت من تلك الجولات، أن السلطات تطبق مخالفات على من يستعمل الحمير الإناث في أعمال الكارو، وقد أكبرت تلك (المخالفة)، وأحسست فيها بلمسة إنسانية فريدة، غابت للأسف في كثير من تعاملاتنا .. حتى مع بني البشر ! أحد أصدقائي، قال إنه يفكر في مشروع استثماري عبقري، حيث يأمل في ملء العاصمة بعربات حنطور مجهزة بشكل جيد، بحيث يتم تخصيص طرق خاصة لها ولا سيما داخل الأحياء، بعيدا عن زحمة السير في الطرق الرئيسة، وهو لا يرى مانعا في أن تتقاسم الركشات مع حناطيره تلك الشوارع، بحيث يكون المرور فيها حصريا على الحناطير والركشات فقط لا غير . طبعا صاحبنا ربما لم يسمع بحظر الكارو والحميروالحصين في العاصمة، وفرض المخالفات على مستعمليها، لكنه حتى لو سمع بذلك، فإن حماسته متوهجة لمشروعه، وهو لن يتوانى عن الإلحاح والسعي في الإقناع .. حتى يتم التصريح لمشروعه، اقتناعا بجدواه، أو هربا من إلحاحه وحصاره ! أظن أن من آفاتنا الحماس للحلول الجزئية، دون مراعاة لإيجاد الحلول الشاملة، وإجراء المعالجات المهمة لقراراتنا، ولا أظن أن قرار فرض المخالفات على الكارو والحصين والحمير، قد راعى حل مشاكل (التبطيل) لأصحابها، بحيث يتم تمكينهم من امتلاك وسائل نقل ميكانيكية صغيرة، على شاكلة الركشة، وتكون مرفقة بسطح يساعد على النقل بأسعار زهيدة، وكسب العيش لأصحابها . كما أن مخالفات الكارو يجب أن تكون جزئية ومحصورة في بعض الشوارع، في حين يسمح لأصحابها مؤقتا بالعمل في شوارع أخرى، تكون فيه الكارو أجدى في التحميل، وأكثر رفقا على جيوب الناس وإمكاناتهم المادية المتهالكة . شخصيا لست متحمسا لعربات الكارو، لكن الواقع يتطلب معالجات حكيمة، ليست من نوع (أخنق فطّس) ، كما لا أخفي إعجابي بفكرة صاحبنا عن الحناطير، فركوب الحنطور متعة، وسبق أن جربته فشعرت أني (باشا)! كل معالجة تحتاج لمعالجة، والمهم أن تعالج مشكلة الكارو في إطار شفاف ومتكامل، وهذا هو المهم .