دخلت حياته بدون استئذان، لا يدري الرجل كيف ومتى وما ملابسات اقتحام المرأة الغامضة غرف قلبه، ظل صامداً مثل تمثال بعانخي في متحف السودان القومي، أطلقت اللئيمة في شبابيك أيامه حمائم بيضاء، راهنت أنها سوف تكسب المعركة الناعمة، لكن في نهاية المطاف وجدت نفسها مثل نبتة خاصمها المطر، شعرت بأن الرجل المتجهم والمتحفظ حد الإفراط أهان كرامة قلبها، غابت كغيمة في آخر الشتاء، وبدوره عبر الرجل بعربة حياته تضاريس وأهوال الحراك اليومي، نسي صاحبكم أن ثمة قمر باهت كان يحاول أن يسطع في فضاءاته وتلاشى دون أن يحفر بنوره شرخاً في القلب، وفجأة في خضم الركض واللهاث ظهرت مرة أخرى كانت هذه المرة أكثر إصراراً على كسب معركة التحدي، وتمكنت أخيراً من القضاء على عناده بالضربة القاضية، انتصرت، وأطلقت من أقاصي حنجرتها مزامير الفرح، ورغم هذا الانتصار ظل الرجل المتجهم، متحفظاً مثل غراب يحاول تحدي إعصار الزمن، وفجأة بدون مقدمات اختفت مرة أخرى وتركت أسئلة ناشزة على بوابة الرجل، أسئلة لم يجد لها إجابة شافية، أصر على معرفة سر غيابها، كتب على كراسة أيامها نصاً لشاعر تعيس، نص وجده على قارعة الزمن. بنفسجة غابت فتحت أحزان قلبي الما طابت سألت عليها بكاني سؤالي هطلت دمعات عيني طوالي يبدو أن بوح الشاعر التعيس سدد ضربة من العيار الثقيل في تفاصيل حياة المرأة الغامضة، إذ أنه وجدها مثل يمامة الثلج تحلق في تضاريس حياته، كتبت له بوحاً جميلاً، وكيف أنها انتظرته على خاصرة الوقت، وحينما ركب موجة العناد ركضت بعيداً عن مساراته، وكادت أن تغلق دكانة القلب الجموح بالضبة والمفتاح، لم تجد لديه أسئلة شافية على سر غيابها وعودتها. في أحد الأيام وجد باقة من البنفسج في صالة الاستقبال بمكان عمله، وكانت ممهورة بإهداء مثل إيقاع المطر في آخر الشتاء، في البداية لم يكن يتوقع أن باقة البنفسج من المرأة الغامضة، لكن حينما بحلق بعيونه العمشانة في (الكارت) المرفق مع البنفسج، وجد توقيعها، حاول التواصل مع الهاربة، اكتشف أنها مثل (فص ملح داب) في طاحونة الزمن.