لم يعد شاي اللبن بدسامته السابقة، فالناس يشربون الشاي الآن بأقل قدر متاح من الحليب، والسبب أن رطل اللبن يباع في الخرطوم بجنيهين ونصف الجنيه، واللبن الجاف يباع بأحد عشر جنيها للكيس سعة ربع كيلوجرام ! المصيبة ليست فقط في أسعار الحليب المتصاعدة، فكل شيء متصاعد، ولكن المشكلة أيضا في نوع الحليب، فالكثيرون يقولون ان الحليب قد فقد كثيرا من دسامته المعروفة، أي أصبح خفيفا، ويحتاج لمضاعفة كميته .. حتى يصبح مذاق الشاي الصباحي .. كما اعتاده الناس في زمانهم الماضي . معظم الأصابع تشير بالاتهام صوب منتجي ألبان الرطل، أو البائعين النهائيين للحليب، حيث يقول البعض إن الحليب يتعرض للغش، وإضافة الماء، في حين يقول آخرون إن الأبقار لم تعد تنتج الألبان بنفس الجودة المعهودة، وهذا ربما يعود لضعف التغذية، أو دخول أجيال جديدة من الأبقار غير المؤهلة للإنتاج الجيد للحليب ! أهل الريف، بالمناسبة، يتحدثون بكثير من الثناء عن ألبان الضأن، ويشيرون إلى أنها دسمة والقليل منها يكفي لعمل الشاي اللذيذ، ولسوء حظ صويحبكم .. فإنه لم يذق لبن النعاج أبدا، رغم أن طفولتي كانت عامرة بلبن الماعز الكامل الدسم . أمس قرأت خبرا عجيبا، وهو أن أغلى أنواع الحليب .. هو حليب الحمير(!)، فقد ذكرت صحيفة (الرياض) ان مواطنا صربياً يمتلك مزرعة بالقرب من مدينة بلغراد، يدير مصنعا لحليب الحمير ومشتقاته، ويبيع قارورة الحليب الصغيرة بحوالي سبعة دولارات، أي بما يقترب من الخمسين جنيها سودانياً ! بل إن أغلى أنواع الأجبان في العالم وفقا للخبر يتم تحضيرها من "حليب الحمير" المتخثر الذي قد تصل قيمة الكيلو الواحد منه إلى أكثر من ألف وخمسمائة دولار، حيث يحتكر الصربي "سلوبودان سيميتش" هذه التجارة، ومصنعة هو الوحيد في العالم لإنتاج "جبن الحمير". المصنع الصربي المتخصص، لا ينتج أجبان الحمير إلا بكميات قليلة لا تتعدى 100 كيلوغرام في السنة، وهو ما يتطلب حليب 130 حمارة تتم تربيتها في المزرعة خصيصاً لهذا الغرض، حيث يتطلب إنتاج كيلوغرام واحد من هذا "الجبن" حوالي 25 لتراً من "حليب الحمير" ما يفسر ارتفاع سعر هذا النوع من الجبن ! ما أعرفه .. أن التلاعب في الألبان .. لم يصل في السودان إلى درجة خلط اللبن بحليب الحمير، رغم أن بعض السودانيين كانوا يستعينون بهذا الحليب قبل عقود لعلاج السعال الديكي لأطفالهم، حيث كانوا يعطون الطفل المريض كميات قليلة منه، بعد ملاحظتهم أنه يخفف من نوبات السعال الشديدة، ويعجل بالشفاء من المرض الذي تراجعت جحافله بعد توفر التطعيمات المضادة له ! أحد الأصدقاء المتوجسين .. قال إنه لا يكترث إذا كان الحليب مغشوشا بالماء، لكنه فقط يتمنى أن يكون الماء المضاف للحليب نظيفاً، وليس مأخوذا من خور أو من مصارف الصرف الصحي المتفجرة في بعض الأماكن ! صديق آخر قال إن أفضل استثمار .. هو تصدير الحمير السودانية إلى بلغراد .. مراهناً بأن انتاجها من الحليب سيبهر المستثمر الصربي، ما يمكنه من زيادة انتاجه وخصوصا من الأجبان الثمينة ! حمانا الله من الغلاء، وأبعد عنا لبن الحمير .. ولهب السعير!