في ظل الغلاء الفاحش في كل شيء ارتفعت أسعار الألبان وصلت إلى درجة لاتتحملها الأسر ذات الدخل المحدود وقد ارتفع سعر الرطل الواحد واقترب من الجنيهين، الأمر الذي يشكل عبئاً كبيراً على المواطن فالأسرة المتوسطة باتت تحتاج لأكثر من سبعة جنيهات (7 آلاف جنيه) لشراء الحد الأدنى من الحليب في اليوم الواحد. وهذه تمثل قمة التناقضات و(أقصد هنا ارتفاع السعر) لأن بلادنا بها كل إمكانيات إنتاج الحليب، ولا تختلف ولاية الخرطوم عن بقية أنحاء السودان، بل أجدني أراها تتميز بكونها محاطة بعدة ولايات تهتم بتربية الماشية، كما أن مزارع الألبان تحيط بها إحاطة السوار بالمعصم. وينطبق الأمر على منتجات الألبان مثل الزبادي والأجبان وغير ذلك..والغريب في الأمر أن الإخوة في ولاية الخرطوم يتحدثون عن جهود عديدة لتوفير بعض السلع المهمة بأسعار معقولة لكن "ماجابو سيرة اللبن أبداً"! وإذا تجاوزنا مسألة الغلاء الفاحش لسلعة تعتبر استراتيجية في قائمة تغذية الأسرة، تعالوا لنرى (واقع) هذه الألبان، لعل التناول الإعلامي يسهم ولو بالقدر القليل في (رفع) هذا الواقع. تنقل الألبان من أطراف ولاية الخرطوم في الجنوب والشرق عبر بكاسي (هالكة ومتهالكة) وينقل في براميل في غاية القذارة، وينطبق الوصف على أغلب العاملين في مجال نقل الحليب، وتغيب الرقابة تماماً في هذا المجال. والذي يتابع هذه البكاسي وهي تنهب الأرض منذ ساعات مبكرة من النهار، يلحظ أنها تقاد بطريقة مجنونة بحيث تكاد تجعل اللبن الطازج يتحول إلى (روب)، وتكتمل دائرة الفوضى والإهمال لدى تجار التجزئة الذين صاروا يقومون بتسخين الحليب في دكاكينهم وفي كثير من الأحيان لا يوجد أدنى اهتمام بنظافة مواعين غلي وبيع الحليب، كما أن هؤلاء التجار يقومون بتعبئة اللبن الساخن في أكياس البلاستيك الأمر الذي يعرض الناس للعديد من الأمراض الخطرة يضاف إلى ذلك تعرض (حلل) اللبن إلى سقوط الحشرات، إذ إن معظم أصحاب الدكاكين يضعون (الحلة) في مكان لا تتوفر فيه (السلامة) من الهوام..! والأخطر من هذا كله، ما يتردد في مجالس المدينة بأن أصحاب المزارع يضيفون للحليب مضادات حيوية (البنسلين يا تمرجي)... (شفتو كيف بنتغذى بالأغاني الهابطة).. ويقول الذين يروجون لهذا الزعم، أن سبب إضافة المضادات الحيوية للحليب هو ضمان بقاء اللبن لأطول فترة ممكنة دون أن (يقول الروب). وهنالك بعض الدلائل التي ترفع من أسهم صحة هذا الزعم ومنها أن الحليب يتم حلبه في وقت مبكر من النهار وتطوف به عشرات الكيلو مترات في شوارع وأزقة صعبة، الأمر الذي يقلل من بقائه (في الحالة اللبنية) لفترة طويلة، ويزعم هؤلاء أن المضادات الحيوية هي التي تجعله يحتفظ بمكوناته، لكن بالطبع، فإن الرأي الطبي يشير بوضوح لخطورة تناول هذه المضادات الحيوية، خاصة لدى الأطفال، وللتأكد من صحة هذه المزاعم الخطيرة، لابد من تضافر كل الجهود لأن حياة الناس أغلى من أرباح بعض التجار الجشعين..!!