(1 ( من الحقائق التي لا يمكن إغفالها، أن العطب الذي يصيب الحياة السياسية في السودان ليس بسبب اعتلالات السلطة الحاكمة فحسب وإنما بسبب المعارضة المتخبطة، فبعضها يرتمي في حضن الأجنبي ويرفع السلاح في وجه الوطن.. بعض أحزاب المعارضة تدرك ماذا تريد وتستخدم ما تراه مناسباً من وسائل غير مناسبة لإسقاط النظام، والبعض الآخر تتلاطمه أمواج بحر المعارضة، لا يدري أين ستلقي به تلك الأمواج.. النوع الأول لا يبالي بأي دعوة أو خطوة إيجابية من جانب الحكومة للحوار الوطني، فهو يريد إسقاطها بأي ثمن وبأي وسيلة ولو استدعى ذلك الخيانة والتعاون مع نظام مثل نظام الرئيس اليوغندي "يوري موسيفيني".. حتى لو تبنى حزب المؤتمر الوطني دستوراً علمانياً صرفاً فلن تستجيب معارضة النوع الأول لأي دعوة للمشاركة في وضع الدستور على سبيل المثال.. النوع الثاني من المعارضة قسمان أحدهما ساذج حيث يأخذه موج المعارضة حيثما يكون وكيفما يكون، أما القسم الثاني فهو وطني التوجه ولديه رؤية سياسية تختلف عن رؤية الحزب الحاكم لكنه ليس في حساباته إسقاط النظام بالقوة أو التخابر مع الأجنبي، وفي مسألة الدستور مثلاً لديه هواجس موضوعية، وخشية أن يتبنى المؤتمر الوطني دستوراً مفصلاً عليه مستخدماً آلياته السياسية وأغلبيته الطاغية في البرلمان لتمرير ذلك الدستور ويستخدم القوى المعارضة ك(ديكور) و(كمبارس) ليعطي شرعية سياسية لذلك الدستور المفصل.. وثيقة (الفجر الجديد)، مغامرة جديدة من جانب معارضة الرماد أرادت بها أن تسخن أجواء الشتاء البارد.. هناك في العاصمة الأوغندية كمبالا حيث يتربع "موسيفيني" زعيم (ثورة الجماجم)، وقع ممثلو المعارضة على تلك (المغامرة).. (فصل الدين عن الدولة)، أهم محاور تلك الوثيقة وذلك ينسجم مع مهمة "موسيفيني" الذي كلفته واشنطن بملف الإرهاب في منطقة شرق ووسط إفريقيا، فالعلمانية ترياق قوي للإرهاب الذي هو الإسلام والشريعة.. تحالف المعارضة مكون من (9) أطراف ذات مرجعية تتبع للحزب الشيوعي الذي يقود أحزاب الوثيقة ولكم أن تتخيلوا بقية تلك الأحزاب التي يحملها موج معارضة اليسار والحزب الشيوعي.. الوثيقة حصلت على مباركة وتأييد الحركة الشعبية و(ما فيش أحسن من كدا).. الحركة الشعبية قالت عن الوثيقة إنها (قفزة نوعية في السياسية السودانية)!!. (2) الفيلسوف الإنجليزي "توماس هوبز" 1588 – 1679، من أهم واضعي النظريات السياسية الحديثة، يرى أن الدولة في حالة الطبيعة أي في حالة فوضوية دون حكومة، تكون "حمقاء، بهيمية" وعليه وجب على الناس الإدراك بأن وجود الحكم ضروري وأن الدولة حالة حتمية لحمايتهم من توجهاتهم الموروثة نحو التدمير الذاتي.. بيد أن ضرورة وجود الدولة لا تعني نفي واضطهاد الرأي العام بما في ذلك الرأي المعارض، فصيانة الرأي العام شرط ضروري في عملية الالتزام بالعقد الاجتماعي.. في الواقع السوداني نجد أن كثيراً من الكيانات السياسية والحزبية في فعلها السياسي إلى قبائل جاهلية وبنظرة إلى النموذج الجاهلي وهو نموذج ثقافي وأخلاقي لوجدناه غارقاً في السلوكيات الهمجية، وحتى في مراحل تاريخية معروفة من مسيرة الدولة الإسلامية دخلت بعض العادات الجاهلية إلى الدين وتلبّست بلباسه وهي نقيضة له، والسياسة كذلك بمفهومها الحديث تلبّست بهذا النموذج.. ولم تستطع النخب السياسية (حكومة ومعارضة) تحترف فن العمل السياسي لكنها احتكرت لنفسها حق امتلاك الحقيقة، بينما الحقيقة نسبية ومتداولة بين الناس.. إن كثيراً من سلوكيات المعارضين ينطبق عليها قول الجاحظ: إن لا شيء أصعب من مكابدة الطبائع، ومغالبة الأهواء؛ فإن الدولة لم تزل للهوى على الرأي طول الدهر.. ليس مطلوباً البتة أن يكون هناك إجماع في أمور السياسة، فهذا أمر لا يقره المنطق.. يقول الإمام أحمد بن حنبل: الإجماع من الأمور العسيرة الحدوث في شؤون الفروع الدينية فضلا عن شؤون السياسة والمتغيرات الدنيوية.. شرعية أي نظام سياسي أوسع من التأييد أو المعارضة فقد يكون هناك من يعارض السلطة أو يتذمر من بعض مواقفها وسياساتها ولكن هذه أمور طبيعية بل حتمية لكن ذلك لا ينفي الشرعية طالما شعر المواطنون أن السلطة في توجهها العام سلطة وطنية ومخلصة لخيارات التنمية والرفاه الاجتماعي والقيم التي تربط أبناء الوطن بعضهم بعضاً. • آخر الكلام: يجب ألا تُتخذ (خيانة) المعارضة غطاءً لتصفية وقمع الخصوم، سواء داخل الحزب الواحد أو داخل القوى السياسية الوطنية الأخرى.