فلوسك لا تكفيك، أو حبيبتك لا تكترث لك وقلبها مع آخر، أو تعاني من وساوس وضغوط وأمراض نفسية وعضوية متعددة .. كلها أعراض قد تؤدي بك لبيوت الدجالين والمشعوذين !! المصائب لا تأتي فرادى، ومصائبنا تتكاثر بشكل أرنبي .. وكل الأماكن الممكنة لعلاج مصائبنا تعاني هي الأخرى من المصائب، فلماذا لا يلجأ الناس للمشعوذ كي يفك السحر، ولماذا لا يركض الناس ركضا لبعض مدعي المعرفة بالأعشاب .. ولماذا لا ينكب مثقفون على الانترنت بحثا عن بائعي الوهم ممن يدعون معالجة الأورام الخطيرة .. دون كشف سريري أو فحص مخبري أو إشعاعي ؟! الحاجة تذل الناس، وتشطب بالإستيكة ما اكتسبوه من علم ومعرفة وثقافة، فالمريض حين تقفل أبواب العلاج في وجهه، سواء بغلاء التكلفة، أو بانعدام الدواء، لا يجد أمامه سوى الهرب إلى الأعشاب، أو إقناع النفس بأن ما يحسه هو (عين)، أو (حسد)، أو (سحر) .. ومن هنا تبدأ الهرولة للبيوت الغامضة .. حيث يوجد من يقدر على إيهام الناس بقدرته الخارقة على العلاج، وفك الطلاسم السحرية، وكشف (العمل)، ووصف العلاج .. وكل ذلك مقابل مال يتم دفعه .. دون أدنى احتمال لتحقيق هدف الضحية ! والحاجة ترفع أوهام الناس بحدوث الخوارق، كأن يتوهم القاطنون في منازلهم بأن هناك كنزا مدفونا داخل البيت، ويكون ذلك عن طريق (حلم)، أو إيحاء من طرف مستفيد بشكل أو بآخر، فتقوم المعاول بحفر الأرجاء داخل المنزل، وفي النهاية تكون التبريرات جاهزة، وهي أن الكنز محروس بالجن، وأن الجن بدأ في نقله لمكان آخر، وربما يتم الاستعانة بمشعوذين آخرين ممن يدعون قدرتهم على طرد الشياطين وغيرهم .. وهكذا تستمر الدوامة .. وتتبخر الفلوس الشحيحة التي يدخرها الناس لأكلهم ومعاشهم .. جريا وراء سراب (الكنز) ! حتى بعض الرؤوس الكبيرة .. لا تتورع عن التدحرج لدرجة السقوط في حبائل المشعوذين، وكم من المتنفذين في الأندية الرياضية ممن يطرقون أبواب تلك البيوت الغامضة، بل وكم سمعنا عن قادة سياسيين، يلوذون بمن يعتقدون في امتلاكهم قوى خارقة .. طمعا في تحقيق أحلام استعصى تحققها بإمكانات الواقع ! دائرة ملعونة تمسك بخناق الناس .. السياسات تتخبط وتقود الناس للفقر والحاجة .. ولا أحد يستطيع الانتظار كي يأتي الفرج من الحكومة، والمعادلات المنطقية تغيب بسبب غياب المعطيات السليمة، فيصبح المرض وسيلة لتعبيد الطريق نحو الدجل، ويصبح شح الرزق وسيلة للتفكير في العين التي أصابت صاحبها بالفقر والفاقة . تماما مثلما يلوك بعض المهزومين في مباريات كرة القدم مقولة إن التحكيم فاشل .. منعا للعقول من رؤية الأخطاء والإخفاءات ! كلها وسائل للهرب من الواقع .. ولتخفيف الضغط المادي والعصبي والنفسي، فيغيب العقل في إجازة مفتوحة، وتتزايد القناعات بأن عدم زواج الفتاة هو (عارض) لا بد من إزالته بيد المشعوذ، لتتنحى المسببات المنطقية من ضيق ذات اليد والعطالة وغيرها التي تكبح تزويج الشباب، وترتفع القناعات بأن البركة منزوعة عن الفلوس، في حين تتغاضى العيون عن التضخم، وخطل السياسات الاقتصادية التي تورد الناس المهالك دون رحمة . دائرة جهنمية كبرى .. تعيدنا القهقرى لعصور الظلام، رغم أنف التعليم، ورغم أنف الوعي في القرن الحادي والعشرين !