! بالأمس كان لنا موعد لزيارة المكان الذي ننساه كثيراً ، ونهرب منه كثيراً ، ونخافه كثيراً كثيراً ، ولكن .. لا مفر لنا منه .. إنه أحد مساكننا التي لا بد من أن نُقيم فيها طال بنا الزمان أو قَصُر .. إنه سكننا الذي لا نذهب إليه بأرجلنا ولا برغبتنا ولا بطريقتنا ، بل نأتي إليه محمولين رغم أنوفنا ، يسوقنا إليه أقربُ المقربين ، وأحبُ المحبين ، وأشفقُ المشفقين ، لا خيار لأحد ، ولا قرار لأحد ، ولا أمر لأحد ، الكل يُنفٍّذ صاغراً مراسيم ملك الملوك ورب الأرباب جلّ في علاه ، بل إن كلّ شيء كان غير مقبول أو غير مرغوب أو غير مسموح في حال الحياة أصبح بالموت أمرٌ واجب التنفيذ ، فها أنت أيها الإنسان تتخلى عن سبب وجودك ، وفلذة كبدك، وتوأم روحك ، وشريك حياتك ، وصديق عمرك ، فتجردهم جميعا من ملابسهم الأنيقة وزينتهم الفاخرة لتكسوهم بتلك الخرقة البيضاء ، ثم تضعهم على تلك الخشبة القاسية لتلقي بهم جميعا في تلك الحفرة المظلمة الموحشة ، ثم تُهيل عليهم التراب بيديك وتنصرف عنهم ليُواجهوا مصيرهم المحتوم بمفردهم . يا إلهي .. كم في هذا المكان من عبر .. وكم في هذا المكان من مواعظ .. لقد جمع كلَّ المتناقضات على ظهره ، وجمع كلَّ المفارقات في قعره ، فهذا غني وهذا فقير ، وهذا أمير وهذا حقير ، وهذا كبير وهذا صغير ، وهذا صحيح وهذا مريض ، وهذا قوي وهذا ضعيف ، وهذا رئيس وهذا مرؤوس ، وهذا .. وهذا .. إيه .. أيتها الدنيا الغرور .. إيه .. أيتها الماكرة اللعوب .. ألا يكفيك ما أهلكت منا ؟!، ألا يكفيك ما أغويت منا ؟! ، ألا يكفيك ما أذهبت منا ؟! .. متى ستتوقفين عن شراهتك البغيضة ؟ .. متى ستُقلعين عن مؤامراتك الدنيئة ؟ .. متى سترفعين شراكك عنا ؟ .. لقد أثقلت كاهلنا بالعيوب .. وملأت صحائفنا بالذنوب .. متى سنستغفر ؟.. متى سنتوب ؟. رحمتك يا إلهي .. رحمتك يا إلهي .. فالأجل قريب .. والعمل قليل .. وليس لنا سوى حُسن الظّن بك ، وجميل الرجاء فيك ، فأكرمنا بما يُنجينا من سخطك ونقمتك ، ويُدنينا من عفوك ولطفك ... يا أرحم الراحمين .. يا أكرم الأكرمين .. يا رب العالمين . دعاء : اللهم تغمد موتانا وموتى المسلمين بواسع رحمتك وأسكنهم فسيح جناتك وأنزل عليهم شآبيب الرضوان وارحمنا اللهم برحمتك إذا صرنا إلى ما صاروا إليه . أحمد بن محمد اليماني كاتب سعودي [email protected]