قديما غنت مغنية: نحنا منتظرين يا شباب اليوم من سنة سبعين يا شباب اليوم نعد سنين في سنين يا شباب اليوم ربما كانت تعبّر عن التعاطف مع حالة (شباب سنة سبعين) والذي كان (في رجاء التعيين) يعاني من العطالة وقلة فرص التوظيف، ويعيش حالة الانتظار – إلى ما لا نهاية – لوظيفة ما زالت في رحم غيب لجان اختيار الخدمة المدنية، عشما في أن (تنحل) عطالتهم (بسلامة) وظيفة تكافىء تعب سنين التحصيل الدراسي، وتعد بغد مشرق تتحقق فيه الأمنيات ثلاثية (العينات) .. (عروسة) و(عربية) و(عشة صغيرة) ان شاء الله بيت ايجار. المفارقة الغريبة أنه وبعد مرور قرابة الاربعين عاما على (سنة سبعين)، ما زال (الحال ياهو نفس الحال) وما زال (شباب سنة الفين وحبّة) مصلوبين على رصيف انتظار (بكرة أحلى)، عسى أن يأتيهم بوظيفة يأخذونها عنوة ب (ضراع) الكفاءة والاستحقاق، دون حوجة ل باسطة الواسطة وبروتوكولات (ماشي-أكوس–المدير) ضمن بنود اتفاقية (عيّن لي وأنا أعيّن ليك)، والتي ابتكرها (المدراء) اختشاءا من عين الرقيب وحتى لا يتهموا بالمحسوبية وموالاة ذوي القربى بتعينهم في نفس مؤسساتهم، فعالجوها باتفاقيات تبادل المنافع بين المديرين، المشروطة ب أعين ليك قريبك عندي مقابل أن تعين لي قريبي عندك .. ويا مؤسسة ما دخلك شر الغريب ! في السبعينات، كان كركاتير لافتة (مكوجي السعادة - بكالريوس ذراعة) المعلقة فوق رأس خريج كلية الذراعة، تعبيرا عن تفضيل ذلك الخريج لأن (يغسل) أحزانه و(يكوي) جراح العطالة، عندما اجبرته الظروف وقتها للاختيار بين ناريين .. نار العطالة أو نار المهن الهامشية، في بلد كان العشم فيه – زمآآن - أن يكون سلعة غذاء العالم، ولكن سرعان ما امتدت نار العطالة - وقتها - لتشمل كافة الخريجيين بمختلف تخصصاتهم، فلم يجدوا منها مهربا سوى بالتداعي ل (يللا وتعال يللا نهاجر في بلاد الله) وأن عزّ عليهم الاغتراب ففي (تجارة الشنطة) بين شطري الوادي مستقرا ومتاعا إلى حين. أما حال شباب اليوم الأن وبعد انطفاء بريق الأغتراب وانكماش فوائد السفر السبع المرجوة منه، حتى كادت أن تنحصر في ضمان العيش الكريم وتعليم الابناء مع توفير كسوة الشتاء والصيف للأهل في السودان، فقد صار البديل لديهم هو السعي للاغتراب الداخلي عن طريق العمل في المنظمات الطوعية العالمية والأممية ولو ضمن طاقم (السكيورتي) أو في شركات البترول، وان عزّ وصال الاثنتين ففي تجارة البالة (دبيالخرطوم)، التي حلت محل تجارة الشنطة بين مصر والسودان بعد حذفها خير معين، وأن عزّت هي الأخرى ففي سواقة الامجادات والرواقش خير سلوى للوجدان .. أبلغتني احدى حاملات الشهادات العليا من معارفنا خبر خطبتها ل سائق أمجاد، وعندما أشفقت علي من ملامح الحيرة التي كست وجهي، أضافت بأن الخطيب يحمل ماجستير في ادارة الاعمال ويعمل على أمجاد الاسرة التي اشتراها شقيقة المغترب لمصاريف البيت، حتى يحل أوان الفرج بوظيفة لا يحتاج فيها لواسطة وضهر، ثم قبل أيام وردني اتصال من شاب مهذب حيي سمى نفسه (عبد الباقي)، طلب مني فيه أن أكتب عن معاناة الشباب من قلة فرص التوظيف، والتي ان وجدت فهي من نصيب أولي قربى العاملين عليها .. وعن احباط الشباب وعزوفهم عن دخول المعاينات لوظائف معلوم سلفا صاحب النصيب فيها قبل أن يعلن عنها في الصحف .. احترمت وعي الشاب وعمق ادراكه عندما قال بأن المواطن هو المتضرر الأول من محسوبية التعينات التي كانت سبب من أسباب تدهور الخدمة المدنية، فهي – أي المحسوبية - قد تأتي بشخص غير كفؤء لقضاء معاملات الناس فيعطلها أو يضيعها. أقول ل (عبد الباقي)، البركة في الركشات وكتر خير الامجادات فلولاها لهدمت (بيوت وقطاطي ورواكيب) ول مات كل الخرييجين جوعا، وعلى السنتهم رجاء (سيف الجامعة) للجان الاختيار: يا النسوني .. ويا النسوني كفا أعرفوني ! لطائف - صحيفة حكايات [email protected]