!! كما أن (الفهم قسمة) كذلك فان خفة الدم قسمة، ورغم أنها هبة ربانية يهبها لمن يشاء من عبادة السمان والضعاف، ولكن الرشاقة وخفة الدم أرتبطت بصورة خاصة بالسمنة، فمن المعروف عن السمان أنهم ظرفاء، ونادرا ما يصادفك شخص يتفوق ثقل دمه على ثقل وزنه، فقد اثبت العلماء أن هناك صلة بين حب البدناء للسكّريات، وبين خفة الدم التي يتصفون بها، ولعلي أجد هنا – فرقة صغيرونة – أمارس من خلالها القشرة بخلفية دراستي للكيمياء الحيوية لأشرح علاقة الدم الشربات بأكل السكر. ببساطة .. أن الخلايا العصبية في الدماغ تفرز مواد كيميائية اسمها النواقل العصبية، مهمتها تنظيم الإشارات من وإلى الدماغ، وهي كثيرة ولكن ما يهمنا منها هنا ما يسمى ب (السيروتونين)، فهو الذي يتدخّل في مزاج الشخص وسلوكه وفي إحساسه بالألم، كما أن له علاقة بالنوم واليقظة، وفي التحكّم في الأكل والشهية، ويصنّع ( السيروتونين) من أحد الاحماض الأمينية يسمى (التريبتوفان) .. وهذا يقودنا لموضوعنا الأولاني، أي الى سر الظرافة وخفة الدم عند السمان!! فمن المعروف عن الناس السمان محبتهم الشديدة لأكل الحلويات والسكريات، كما أن من الثابت أن هناك علاقة بين أكل السكريات وزيادة مستوى (التريبتوفان) في الدم، وزيادته تؤدي بدورها الى زيادة مستوى (السيروتونين)، وهو - كما قلنا - المسؤول عن صفاء المزاج والشعور بالسعادة، وبالتي فإن أكل السمان للحلويات يولد لديهم احساساً بالانشراح والانبساط وتحسن في المزاج... أي الى خفة الدم .. غايتو لو ما فهمتو يبقى (ده طرفي) من التدريس والكيمياء الحيوية ! على كل حال .. إذا كانت السمنة تتناسب طرديا مع خفة الدم، فهي تتناسب عكسيا مع الرشاقة .. أو هكذا كنا نحسب في طفولتنا، إلى أن أثبتت إحدى رفيقات طفولتنا ودراستنا الظريفات وسمان لنا العكس، فعندما انتقلنا لمباني مدرستنا الابتدائية الجديدة كانت بها باحة خلفية واسعة تمتد بطول المدرسة من الشرق للغرب، وكانت أستاذة التربية البدنية تستقل مساحة تلك الباحة الشاسعة للانتقام منّا وقطع أنفاسنا بالجري، ولعلها كانت ترغب في ترويضا بدلا عن تريضّنا .. ذات يوم نظمت لنا سباقا ماراثونيا للجري النضيف، حيث طلبت من جميع تلميذات صفنا الاصطفاف وظهرهم للحائط الشرقي، على أن ننطلق بأقصى سرعة عند سماعنا لصفارتها نحو الحائط الغربي، ونلمسه بأيدينا ثم ننقلب عائدين، ومن يعود أولا فهو الفائز في السباق .. انطلقنا نسابق الريح حتى وصلنا بالتتابع نحو الحائط الغربي ولمسناه – حسب القانون – ثم قفلنا راجعين بنفس السرعة، وحينها لم تكن رفيقتنا السمينة قد وصلت بعد لمنتصف المسافة بين الحائطين - طبعا كانت تجري الهوينا كما يجري الوجي الوحل !! ويبدو أنها قاست المسافة التي تنتظرها لتصل للحائط ثم تعود، واستفتت قلبها، فأفتاها بأن تنقلب على عقبيها وتنطلق أمامنا عائدة ل (اللين) .. طبعا وصلت قبلنا فما كان من الاستاذة الغبيانة إلا أن أمسكت بيدها عاليا كناية عن النصر وفوزها بالسباق !! يومها تحيرنا من قصر نظر الاستاذة، الذي أقنعها بأن صاحبتنا برغم وزنها المرتاح فهي بمواصفات خفة الريشة، وإلا كيف طارت مع الهواء ووصلت قبلنا ل (اللين)؟ إلى أن حدثت لنا معها حادثة أخرى بعد سنوات، أقنعنا أنفسنا بعدها بمراجعة طبيب العيون لنتأكد من قدرتنا على الشوف، فقد كنا نتمشّى في احدى الليالي كعادتنا في أماسي رمضان، ضمن شلة كبيرة من الصبيات وفي صحبتنا رفيقة طفولتنا العسولة تلك، عندما عنّ لنا أن نختصر طريق العودة للحلة بالمرور عبر ساحة مظلمة وخالية إلا من بعض البنايات قيد الانشاء. سرنا عبر تلك المباني المظلمة الموحشة مسرعين، وقلوبنا فوق ايدينا من التوتر والخوف، وفجأة صرخت احدانا بصوت مروع: (وااااي) !! انطلقنا نسابق الريح بطريقة – الشاطر يمرقنو كرعيهو – فلم نفكر للحظة للتوقف والسؤال عن من صرخت؟ ولا السبب في صرختها؟ .. المهم الله يمرقنا. استمرينا في الجري حتى وصلنا مشارف الحي .. وهناك توقفنا لنلتقط انفاسنا ونتفقد بعضنا بعضا، ففقدنا صاحبتنا تلك، ولكن قبل أن نفكر في التلاوم على تركها خلفنا، فوجئنا برؤيتها أمامنا وقد وصلت قبلنا للحي، بل توجهت بخطوات واثقة نحو منزلها، وقبل أن تدخله وهي آمنة .. إلتفتت وأشارت لنا بيدها أن: (مع السلامة) .. ما زلنا نتسائل كلما جمعتنا الظروف (بللاي دي عملتا كيف)؟!! لطائف - صحيفة حكايات [email protected]